حكاية أديبٍ خالد
بقلم: قمر عبد الرحمن
كلّ إنسانٍ يتّخذ من الإنسانيّة سبيلًا.. يُخلّد!
متعدّد المواهب والاهتمامات حتّى تحتار في كيفية تقديمه، فهو معلّمٌ وأستاذ مدرسة، رسّخ جذوره في الأرض، ومدّ يده لأهل قريته، ليصل بين الجذور والحضارة، ويجعل من نفسه الشّمعة التي تحترق وتضيء الظّلام لمن حولها!
هو الصّحفي النّاقد والإذاعيّ المشهود له بالجرأة حسن مصطفى عصريُّ الفكر، ثابتُ الجذور، وهو التّنموي الذي جعل همّه الأساسي تنمية مجتمعه المحليّ والنّهوض به، وهو نصير المرأة وأوّل من سعى لفتح مدرسةٍ للبنات في قريته بجهودٍ ذاتية، وعمل على تطويرها طوال حياته، وزيادة صفٍ ومعلّمة كلّ سنة حتّى أصبحت المدرسة منارة علمٍ وإشعاع، وهو المهتم بالتّراث حيث أدرك أنّ التّقدم لا يتم دون البحث في الجذور، فعمل على جمع التّراث والفلكلور الفلسطينيّ والعربيّ معتزًا به ومهتمًا، وأعطى للزّي الشّعبيّ الفلسطينيّ أهميةً مميّزةً عندما طلب من التّلميذات الصّغيرات الاهتمام به في وقت كان الجميع فيه يركضون نحو الحداثة والتّغريب.
عاش حياةً قصيرة ولكنّها مليئة بالعطاء وحبّ الأرض اللامحدود؛ حيث ساهم فعليًا في مقاومة الاقتلاع والتّشريد، وإعادة من هاجر من قريته والصّمود فيها.
وهذه محاولة بسيطة لتسليط الضّوء على حياته القصيرة وإنجازاته فيها.
ولد حسن مصطفى في قرية بتير لواء القدس في 25/12/1914 تعلّم القراءة والكتابة من كتّاب القرية،حيث لم تكن مدارس في العهد التّركي، التحق فيما بعد بكلية الرّوضة بالقدس وتخرج فيها بتفوّق، ثمّ أكمل دراسته في الجامعة الأمريكيّة في القاهرة، وبعدها عاد إلى فلسطين ليبدأ حياته العمليّة في دائرة التّعاونيات الحكوميّة لمدّة عام واحد، ثمّ مدرّسًا لمدّة عام آخر في كلية الرّوضة في القدس.
أصدرت سلطات الانتداب البريطانيّ أمرًا باعتقاله عام 1939 مع غيره من مثقّفي فلسطين أمثال: إبراهيم طوقان وعبد القادر الحسيني، إلّا أنّه أدرك الأمر وغادر البلاد خلال 12 ساعة إلى شرقي الأردن ثمّ إلى العراق، حيث عمل في دار المعلّمين العليا في بغداد.
عاد إلى فلسطين في العام 1943 وعمل مع الأستاذ خليل السّكاكيني في تأسيس كلية النّهضة، ثمّ عمل في إذاعة الشّرق الأدنى في يافا، وكان له برنامج بعنوان (راوية الصّباح) وأصدر خلال عمله في الإذاعة كتاب (قطرات ريفيّة)
انتقل حسن مصطفى إلى قلم المطبوعات، وتولى إدارة وتحرير مجلّة المنتدى خلفًا لعبد الرحمن بشناق، والتي حوّل اسمها لمجلّة القافلة، وأصدرت لمدّة عامٍ كامل قبل النّكبة الأولى 1948 حوالي 52 عددًا، وهي مجلّة أسبوعيّة مصوّرة احتوت أقلام الأدباء وأهل الفكر في فلسطين والدّول العربية، وسدّت فراغًا في الصّحافة العربية في ذلك الوقت.
وفي العام 1948 صدر كتابه الثّاني (شخصيّات) الذي قدّمه الأستاذ خليل السّكاكيني،تزامن صدور الكتاب مع نكبة فلسطين، وحينها بدأ يكتب في جريدة الأردن تحت عنوان(واقعيات) وهي مقالات يوميّة في واقع الحياة المرير في تلك الفترة 48 ـ49. وكتب في عام 1951 في مجلّة الهدف المقدسيّةبعنوان(خربشات)وهي عبارة عن مقالات وخواطر.
عمل حسن مصطفى بعد النّكبة في وكالة الغوث الدّولية منذ عام 1951 وحتّى وفاته، وكان مديرًا لمنطقة الخليل، حيث كان من الشّخصيات التي ساهمت في تأسيس قسم التّعليم، ثمّ مديرًا لدائرة الشّؤون الاجتماعيّة في رئاسة الوكالة بأسلوبٍ عمليٍّ متميّز. رشّح نفسه لانتخابات البرلمان الأردنيّ طمعًا في الانطلاق في ميدان الخدمة العامّة والتّنمية. في حوالي عام 1956 أصدر بحثًا عن عملية النّهوض بالمجتمع المحليّ باللّغتين العربيّة والإنجليزيّة.
كان عضوًا في “المؤتمر الدائم لقضايا الوطن العربي”.
1960ـ1961 استلم منصب ضابط ارتباط بين وكالة الغوث والحكومة الأردنيّة ومديرًا للعلاقات العامّة في رئاسة الوكالة.
توفي الأديب والإعلامي الخالد حسن مصطفى في تاريخ 4/6/1961 بالسّكتة القلبية، وهرع النّاس من جميع أنحاء فلسطين للتّعبير عن حزنهم العميق بفقدانه في عمرٍ مبكّر.
وحافظت عائلته على إرثه ومقالاته وأعماله الأدبيّة طوال هذه السنين، كما كانت ابنته البارّة السّيدة نادية حسن مصطفى خير وريثٍ لما ترك من أدبٍ وذكرى، فهي لا تكلّ ولا تملّ من ذكره في كلّ لقاءٍ أو حدثٍ ثقافيّ.
ولي الشّرف الكبير في توثيق رحلة عطائه، وقراءة بعض نصوصه المختارة والخالدة مثل نص قصّة “الشّجرة الخالدة”.