مِدْيَةٌ من ضِياءِ

فايز حميدي | شاعر فلسطيني – السويد
-١-
نسائمُ الخريفُ تَهُزني وَتغويّني بالرَّحيلِ
والريحُ تُحيكُ سِجادةَ الأحلامِ
من نَبضِ التُرابِ
نَاداني طَيفُكِ
وَمُقلتاكِ والنُّور النَحيل
والصَدى شاحبٌ
والقلبُ يَنزفُ أدمُعه
هُناك في مَهبِّ الرَّدى صَرخةُ الألمِ
جفَّ الضَّياءُ والزَّهر ظَامئٌ
هُناك في مهبِّ الرَّدى من سَكن الجَوارح والقَلبُ العَليل
والحياةُ تلهثُ كفراشاتِ الضَوء المَبهور
ويدحرجُ التَاريخَ في تلك البِلاد وَيُهشَمُ !!
وعلى الأرواحِ يَلمعُ :
الجُوع
والليل
والغُربة
والدَّم
وقريةٌ محروقةُ الأشجارَ لم
تُخفض الهَامات للبَاغي ولم تَصمتُ
وارتجافاتٌ
وأطيافٌ
وبروازٌ عَتيق
وأسئلةٌ تزأرُ ، وأخرى تُساكنني وَتصمتُ
وَتجمعُ قَلقها وَتهزهُ
وعندليبٌ يُقايضُ أمهُ بِدمائهِ
وينامُ في ضِلعِي اليَابس
وَيحلمُ بالرَّبيع ..

-٢-
هلْ لي بمديةٍ من ضياءٍ
وقبضةٍ من نورٍ
تُنعشُ القلبَ
وتقرعُ أوهامَ ظُلمتنا وَتصدِّعُ :
فَضاؤنا الحَسير
وغيبوبةُ الطَريق
وَفرَاغُنا المعتِم
وتمزقُ عباءةً تَهرأتْ لإفاضةِ المَديح

كم انقضى من زَمنٍ على رؤى وَشِعاراتٍ
أراقتْ سُمومُها في دِمائِنا
وَرسمتْ وَشمَ الفَجيعة
وأنفاس الضَياع
وَهذيان الرُّوح ؟!

كم انقضى من زمنٍ على رؤى وألوانٍ كالرايةِ البيضَاء صَدى الهَزيمة
تركتْ مُلوحة هَزائِمها في دِمائِنا ؟!

وَرؤى فتحتْ ذِرَاعيها للمَدى
وَسكنتْ الذَاكرة
صعدتْ الأفقَ رويداً رويداً
وَقفتْ بمُحاذاةِ الشَمس
ودَخلت الحربَ
وتساقطتْ مثلَ حِنطةَ الشِّتاء
وَخرجتْ من التَاريخِ !!

وكمْ من رُؤى جثتْ على صُدورنا
في ثوبٍ أنيقٍ
نامتْ على جِراحِنا
وَطحنتْ أحلامنا
جهلٌ وجاهليةٌ وأفقٌ بائسُ ؟!
وكمْ من رُؤى تَعهرت بعد العَفافِ
وأمستْ كالدُّمل في الجَسدِ العَليلِ ؟!

-٣-
هذا الشَّارع لهُ مَعنى الخَصبِ
وسنابلَ الضوءِ وضيقُ الأفق
امرأةٌ تَرتدي حُزنُها
تربةٌ محروثةٌ بالمَاضي المَعبود وممهورةٌ بالقيودِ ..
تربةٌ لم تُحرث بعدُ :
بكتابةِ العُذوبة الجَارحة
وبقسوةِ وضعَ السكينَ بالجُرحِ
وبعصرِ التَنوير
والوعي المُطابق والعَميق ..

هذا الشارعُ له رائحة الزَّيتون وشموخُ النَخيل
وشمسٌ سخيةَ الدفءِ
وطفلٌ طاعنٌ يَهذي
وخدرٌ يَسري في العقولِ
وجنرالاتٌ يَهرفونَ الخُطبَ كغربانٍ تَنعقُ
كما يُورثُ المِتاع تَوارثوا البلادَ
وعلى مُهجتي تَعتلي صَخرةُ الألمِ

هذا الشَّارع العَربي
كان موجٌ لا ينام
مفعمٌ الضياءِ
مهرةٌ شقراء
كعودِ الندِّ من شفقٍ وَماء
يرى الأفقَ زهرَ اللوزِ
وشمسٌ في كَبدِ السَّماء
وعلى مصاطبِ العُمر أفئدةٌ
تتلمسُ وعورةُ الطَريق
وقهرُ الانتظار

-٤-
هذا الشّارع العَربي من حمأةِ التوقِ وشفرةَ الحُلم يَستعرُ
السّوط والجَلاد وسلاطين البلادِ
ألقموهُ الخُرافةَ المُعلبة
دولةُ الطغيانِ وطنٌ ينوحُ
وتراثُ دمٍ مخلوعٌ ، ودهشةٌ قاتلةٌ !
دولةُ الطغيانِ مُرادفةٌ :
للهواء المُرَّ
للبؤسِ والتَّدجينِ
لدخانٍ أسوَد يَتصاعدُ من حُفرةٍ
وصوتٌ يَتلاشى مع الصَدى
للقضبانِ لا للأجنحة !!

اعتقلوهُ في سُورٍ شائكٍ أسموهُ وَطناً
واغتالوا البسمةَ على شَفتيهِ
غَاصوا في دَمهِ كضباعٍ هَائجةٍ
نَحُبَ في حُرقةٍ من قاعِ حَسرَته
قَتلوهُ ويعرفُ قَاتلهُ !!

هذا الشَّارع العَربي
وجهُ أبي المَنفيَّ
شمسُنا الذَّابلة
ظُلنا الشَريد المُضمخُ بالغيابِ
شَهقتْ شُجيراتُ العَوسَجِ
والبحرُ لثمَ راحتيهِ
وَتنهدتْ أبوابُ القُدسِ
وبكتْ بغدادُ سيدةَ اللهفةِ
يا وَطن الثَكالى والوَجع
سلامٌ عليكَ .. سلامٌ عليكَ.

(القدس الموحدة عاصمة فلسطين الأبدية)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى