الاعتراف (بإسرائيل) رخصة لقتل الفلسطينيين
محمد عصمت سيف الدولة |القاهرة
كلما ارتكب الاحتلال مذبحة جديدة لأهالينا فى فلسطين، خرجت الولايات المتحدة ومجتمعها الدولى بتصريحات رسمية لتبارك جرائمه وتؤكد على حق(إسرائيل) فى الدفاع عن نفسها.
لم يعد من الممكن الاستمرار فى تحمل كل هذه الاعتداءات وجرائم الحرب والابادة، وارتقاء كل هذه الاعداد من الشهداء بما فيهم الاطفال والنساء والشيوخ، التى اصبحت روتينا صهيونيا يجرى أمام أعيننا كل يوم، كما لم يعد من المقبول الصمت على اختلال البوصلة المبدئية وغياب المنطق العلمى وانتحار البديهيات فى مواجهاتنا (لاسرائيل)، لأنه من رابع المستحيلات تحقيق أى انتصارات استراتيجية حاسمة عليها، ما لم تسحب الدول العربية والسلطة الفلسطينية اعترافها بشرعية دولتها.
فإذا كانت (اسرائيل) دولة مشروعة، (وهي بالطبع ليس كذلك) فان كل ما ترتكبه من اعتداءات وجرائم يمكن تبريرها من منظور ضرورات الأمن القومى الاسرائيلى.
ولذلك فان الخطاب الصهيونى والامريكى الموجه للمجتمع الدولي والرأى العام العالمى ينطلق دائما من أن ما تفعله (اسرائيل) ينخرط تحت بند الدفاع الشرعى عن الوجود وعن النفس وعن امن شعبها فى مواجهة شعوب وجماعات ارهابية لا تعترف بها ولا بشرعية وجودها وتريد ان تزيلها من الوجود.
وما زلنا نتذكر ما قاله بيريز فى مؤتمر ديفوس عام ٢٠٠٩ لتبرير مذبحة “الرصاص المصبوب” التى راح ضحيتها ١٥٠٠ شهيد فلسطينى، حين قال ((من فى دول العالم يقبل أن تطلق عليه الصواريخ من جماعات لا تعترف بوجوده وتريد ان تقضى عليه مثل التى اطلقها الإرهابيين الفلسطينيين على ارض (اسرائيل) وشعبها؟))
ويزيدون عليه فى تبريرهم لرفض الانسحاب من الضفة الغربية، (بأن كل الاراضى التى انسحبوا منها من قبل فى لبنان عام 2000 وفى غزة عام 2005، تحولت الى قواعد للارهابيين الذين يهددون اسرائيل ويريدون القضاء عليها…فكيف تريدون منا ان ننسحب من الضفة الغربية التى تتداخل مع اراضينا ونقبل ان تتحول هى الاخرى الى قواعد عسكرية ارهابية مناهضة لنا ولوجودنا؟)
وبالتالى اذا كانت (اسرائيل) دولة مشروعة (وهى ليست كذلك) فان المقاومة الفلسطينية تستحق وصف الارهاب، بل ومعها كل الشعوب العربية التى ترفض الاعتراف بشرعيتها وتطالب بتحرير كامل التراب الفلسطينى من النهر الى البحر.
وكذلك سيكون قبول (اسرائيل) بعودة اللاجئين الفلسطينيين هو بمثابة انتحار بالنسبة لها، فكيف تقبل بعودة ملايين “المحتلين” العرب إلى أرضها مرة اخرى بعد ان نجحت فى تحريرها وطردهم منها عام ١٩٤٨على حد ادعاءاتها الكاذبة.
ثم إذا كانت هذه ارض (اسرائيل) التاريخية بالفعل (وهى ليست كذلك)، فان التفرقة بين ارض ١٩٤٨ وأرض ١٩٦٧ ليس سوى هُراء من منظور العقيدة الصهيونية، ففى اساطيرهم القديمة الزائفة: حين اختص الشعب اليهودى بالأرض التى وهبها الله لابراهيم ونسله، لم يكن هناك حدود بين ما يسمى اليوم بالضفة الغربية وبين باقى ارض (اسرائيل).
ليس ذلك فحسب، بل يكون تمسكهم بيهودية القدس، وفقا لذات المنطق، حقا وطنيا ودينيا وتاريخيا مقدسا بالنسبة إليهم، فالأرض ارضهم والفلسطينيون ليسوا سوى احتلال قديم دام لقرون طويلة قام خلالها بطمس هوية ومقدسات اصحاب الارض الحقيقيين من اليهود، فشيد مقدساته على أنقاض مقدساتهم؛ وبنى مسجده الأقصى على أنقاض هيكل سليمان.
واليوم بعد أن تحررت الأرض المحتلة من الاحتلال العربى الفلسطينى (كما يدعون)، فإنه قد آن الأوان لتحرير المقدسات من هذا العدوان العربى، اسلاميا كان أو مسيحيا، علي المقدسات اليهودية.
· وهلم جرا وهكذا دواليك.
إن الاعتراف الفلسطينى والعربى بشرعية دولة (اسرائيل)، هو بمثابة مباركة ورخصة عربية رسمية بقتل الفلسطينيين وتصفية قادتهم، بالاضافة الى كونه عملية انتحارية كبرى، تترتب عليها “عواقب مدمرة” وآثارا كارثية لا تنتهى.
فالاحتلال الصهيونى لفلسطين ١٩٤٨ و١٩٦٧ ورفض الانسحاب من الضفة الغربية، وبناء المستوطنات ومطاردة واستهداف الارهابيين (المقاومة) ورفض العودة الفلسطينية مع فتح ابواب الهجرات اليهودية الى الارض المحتلة، وتدمير القدرات العسكرية العربية، ونزع وتقييد سلاح الاراضى المجاورة فى دول الطوق واحتكار السلاح النووى وتحريمه على العرب، والاعتداءات المتكررة على الاقطار العربية، وضمان التفوق العسكرى الاسرائيلى على الدول العربية مجتمعة الى أبد الآبدين … الخ
كل ذلك وأكثر سيصبح سياسات مبررة ومشروعة لو كانت (اسرائيل) دولة طبيعية تعيش على ارض تملكها ملكية شرعية محاطة بمحيط عربى يستهدف القضاء عليها، وليست كيانا استعماريا استيطانيا احلاليا باطلا.
ولذلك فان المطلب والشرط الصهيوني والأمريكي الأول في أى معاهدات أو مفاوضات أو مباحثات أو تصريحات، هو الاعتراف بشرعية دولتهم، لأنهم يدركون جيدا ان الاعتراف سيضفي الشرعية على كل ما عدا ذلك من احتلال واستيطان ومذابح وجرائم حرب.
إن النضال من أجل سحب اى اعتراف عربى او فلسطينى بشرعية دولة (اسرائيل) هو خط الدفاع الاول والرئيسى عن الشعب الفلسطينى ضد الاعتداءات والمذابح الصهيونية الجارية التى لا تتوقف.
كما إنها الخطوة الاولى والحتمية فى كل معارك تحرير فلسطين، والا فلا أمل لنا فى تحرير شبر واحد منها.
وكل من يعترف بها إنما يتبنى النظرية الصهيونية ويدعم الاحتلال ومشروعه وينحاز اليه ويخدم فى صفوفه ويدعم خططه واستراتيجياته حتى لو حمل هوية عربية او فلسطينية وحتى لو احتل المراكز العليا فى دوائر حكم أى دولة عربية.
كما أن كل من يصر على أن يشتبك مع العدو الصهيونى فى الملفات والقضايا الفرعية بدون ان ينطلق من مبدأ “عدم الاعتراف” انما يضيع جهوده هباء، ويضلل الرأى العام العربى والفلسطينى.
فمعارك مثل المقاطعة ومناهضة التطبيع وحق العودة ومناهضة الاستيطان والدفاع عن المقدسات والمسجد الأقصى وفك الحصار وفتح المعبر وتدويل القضية واللجوء إلى الامم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية الى آخره، هى معارك واجبة وضرورية، بشرط ان تنطلق من المبدأ الرئيسى القاضى ببطلان هذا الكيان المسمى بدولة (اسرائيل)، وبطلان كل القرارات التى صدرت لصالحه، وكل الآثار التى ترتبت على وجوده بدءا من وعد بلفور وصولا الى قرار ترامب بنقل السفارة والتصريحات الامريكية العنصرية الوقحة بان من حق (إسرائيل) ان تدافع عن نفسها.
هذا هو المنطلق المبدئي والمنهجي الصحيح، الذى يجب تن تنطلق منه كل الاستراتيجيات والخطط أن تترجمه فى كل مواقفها اليومية ومعاركها التكتيكية وتناضل وتبدع من تحويله إلى انتصارات ممكنة وواقعية على الارض.
أما الإستغراق لسنوات وعقود طويلة فى مطالب ومعارك فرعية وتكتيكية أو حتى استراتيجية، لا تلتزم بالثوابت الوطنية والحقائق التاريخية وتنطلق منها،فسيكون مصيرها الحتمى هو الفشل والهزيمة والضياع.
القاهرة فى 11 اغسطس 2022