البيارة
محمد بكر البوجي
الحجة زينب ابنة قرية يبنا، تزوجت عام عام 1934 من أحد أبناء القرية، بعد حفل الزفاف سكنت زينب في البيارة تقول: كان عندي ثلاثين فرخة وثلاثة ديوك وعشرات الصيصان ،نأكل البيض ونبيع في سوق البلد كان جدك سليم كل يومين يأخد قرطلة البيض ينزل سوق البلد يببع البيض وكام صوص كبير،كان هو من يعتني بزراعة البيارة وشجر البرتقال والليمون .أمنيتي أرجع البلاديا رب ينصر جيش الشقيري ونرجع على دارنا، أكيد سأجد الفرخات وقد تكاثرت، أما الغنماتأكيد ماتن من العطش تركناها مربوطة في الحوش ما لحقنا نفكها ، قنابل اليهود نزلت كتير علينا. عاد ابنها الضابط من حرب 1967، قامت مع زوجها بدفن البارودة في الأرض، بجيها يوم. عام 1970 ابنها الكبير: ما رأيك آخدك إلى البلد زيارة ؟أنت بتضحك علينا، والله جد، فتحوا الطريق، كتير ناس ذهبت هناك ورأت بيوتها وأحضروا معهم خضار وزيتون وبرتقال من أرضهم، خلاص جهزي حالك ،رفض الأب الفكرة جملة وتفصيلا: يا بأرجع منتصرا أو بلا منها، قالت الحجة زينب: بنأخد معنا أختك، ميسر، ركبوا السيارة متجهين إلى البلد، لحق بهم الأولاد وركبوا السيارة، الحجة زينب عقلها غير مصدق، اسمع يا علي يا ابن بطني: عندما نصل البلد لا تحكي أنا أعرفها جيدا، اتركني أراها وأتكلم، وهي تمسح دموعها. شمالي اسدود تقع أراضي يبنا، هذه المدرسة الكبيرة مدرسة الثانوية الزراعية،أبوك تبرع عشر جنيهات فلسطينية مساندة لبنائها، كل البلد دفعت مصاري للمدرسة، هاي البلد، والله كما هي البيوت والدكاكين كما هي هذا الشارع بيروح على الجامع الكبيروهذا بيروح على سيدي أبو هريرة الشارع اللي وراه بيروح على جميزة البلد جميزة كبيرة كانت سبيل كل الناس تاكل منها ومنها تصل شارع المبيض، قل للسواق أن يمشي على اليسار قبل كوبري القبيبة على اليسار غربا هناك البيارة عارفها كويس مشي نص ساعة منها تكون في بيارة شاهين في القبيبة، قبلها كرم دار العبسي شمالها بيارة حسين ابو عبيد ومن غربا بيارة دار داوود وبيارة دار ابو فخرو شرقا بيارة دار عمي رشيد البوجي، قالت للسائق بصوت مرتفع فيه حشرجة دموعها على خدها وقف عندك، هاي بيارتنا ، فيها تزوجت وأنجبت أربعة أولاد وبنت كل خلفتي فيها، بعد الهجرة ما خلفت من الطربة والخوف. نزلت الحجة زينب من السيارة وخلفها ابنها الأكبر علي وابنتها ميسر، يقول علي: هذا هو باب الدار،أعرفه جيدا لعبت هنا مع أولاد الحارة هناك منطقة الجرن الشامي. قالت ميسر: ودموعها تسيل هذه شجرة الكينيا أنا زرعتها مع أبوي وسقيتها مياه بالإبريق، إنها لي وهي تلف ذراعيها حول الشجرة. وقف الجميع برهة ماذا نفعل نريد دخول الدار والبيارة قال السائق: كل يوم أحضر ناس من أهل القرية لرؤية بيوتهم وأراضيهم ليس كل اليهود واحد، هناك من يسمح لهم بالدخول وهناك من يطردهم، أنتم وحظكم تعالوا نسألهم، دق السائق الباب عدة مرات خرجت سيده شعرها أسود منكوش ولونها شرقي قال السائق لها: هؤلاء فلسطينيون جاؤوا لرؤية بيتهم وأرضهم، هذا كان بيتهم قبل أن تجيؤوا إلى هنا، ردت بصوت عربي غير مفهوم ثم أغلقت الباب وهي تشتم بالعربية غير الواضحة قال السائق: إما أن تكون من يهود اليمن أو من يهود المغرب أو العراق الذين جاؤوا هنا بعد نكبة 1948. الحجة زينب لم تتمالك نفسها، انطلق فمها بأفظع الكلام عليها وبالدعاء عليها، الله لا يهديلكم بال، الله ياخدكم مطرح ما اجيتوا، بصوت عال وبنتها ميسر تصرخ بصوت عال، يا ولاد الكلب تفو عليكم شو جابكم على بلادنا، لم تعد تلك اليهودية لفتح الباب رغم أن ميسر طرقت الباب بشدة لكن لم يستجب أحد. قال السائق: ما رأيكم نلتف من الجهة الشمالية للبيارة ممكن نجد مدخلا لقطف حبة برتقال، وافق الجميع على هذا الاقتراح المنقذ للموقف، فعلا سار الجميع الحجة زينب تلتفت يمنة ويسره تتذكر أيام شبابها هنا وكيف كانت تساعد في نقل صناديق البرتقال إلى محطة القطار للتصدير إلى ميناء يافا ، بعد دقائق مشيا وصلنا شمالي البيارة المكان مفتوح، والله يا أولادي كانت الدنيا أمان نترك من يشاء أن يأكل برتقال دون سؤاله، الخير كثير، لا أحد يسال، اندفع الجميع تجاه أشجار البرتقال كل يقطف ويضع في جيوبه وفي فمه إلى أن هدأت نفوسهم قليلا ثم استداروا وركبوا السيارة عودة إلى بيتهم في مخيم اللاجئين الفلسطينيين.عند الخروج من البيارة وقف الأولاد أمام باب الدار وأخدوا يقذفون الحجارة، يا ولاد الكلب اطلعوا من دارنا شو جابكم على بلادنا يلعن أبوكو على أبو أميركا وبريطانيا، نهرهم الكبير، يا أولادي لا فائدة اليوم من فعلكم عندما تكبرون هناك طرق كثيرة أخرى. أثناء انطلاق السيارة رأت الحجة زينب: هاي المدرسة يا علي اللي قريت فيها للصف الثالثهذا قبر الشيخ سليم على اسمه جدك سما أبوك، على اليسار المقبرة هنا مدفون جدك واجدودك كلهم كنا نزورهم كل عيد في عيد الأموات .أمانة يا سواق خدني أزور الشيخ سليم دايما كان أهل البلد يتجمعون ويذبحون الذبايح لروح الشيخ سليم، كمان تأخدناعند جميزة البلد ياما أكلنا منها واحنا اصغار جميزها زاكي.
طلب علي من السائق أن يأخذه إلى المدرسة يقول علي: كما هي لا جديد فيها الفصول نفسها المكتبة نفسها الساحة كما هي أضافوا فقط شريطة ترفرف على السارية لونها أزرق وأبيض و شعارات بلغة غريبة، هنا في هذا الفصل درست، جاءهم شخص يبدو أنه مدير المدرسة الجديد طلب منهم المغادرة فورا قبل أن يتصل بالشرطة، غادرنا جميعا ونحن نلعن اليوم الذي جاؤوا به من أوربا إلى بلادنا.
………….
معلومة: قامت السلطات الجديدة (الإسرائلية) بهدم المدرسة وإعادة بنائها عام 1991. كما حولت المدرسة الثانوية الزراعية إلى سجن للنساء محاطا بالأسلاك الشائكة .