ثُقب أَسوَد
بقلم: أسيل خالد أمين | مملكة البحرين
٢٠ – يونيو – ١٩٦٨
رنّ جرسُ الحصةِ الأخيرة فهبّ زملائي واحدًا تلو الآخر مسرعين إلى منازلهم. أمّا أنا حملت حقيبتي على ظهري ثم خرجت على مهل والدموع تنهمر من عينيْ، تساءلت في نفسي: هل يعقل أنّ اليوم هو آخر يوم لي في المدرسة؟
سلكت الطريق الوعر أخذ الحديث الذي دار بيني وبين أبي يتسلل إلى رأسي.
-لقد بلغت الآن الثالثة عشرة من عمرك يا بني، والآن أصبحت رجلًا. لقد بلغ بي التعب منتهاه ولا أعلم كم بقي لي من العمر، أنا قلق بشأن إخوتك الصغار،لذلك ….
زفر بضيقٍ شديدٍ ثم تأمّل عينيَّ قائلًا:
– لقد قررت بأن تترك المدرسة لتساعدني في الدكان.
اختنقت الكلمات في حلقي، وقلت بصوت مضطرب:
– ولكن يا أبي.….
قاطعني وهو يقول بصرامة:
– هل أفادتك الدراسة بشيء؟! إسمع يا بني، غدًا هو اليوم الأخير لك في المدرسة!
واصلت سيري نحو البيت وأنا أحدث نفسي، لطالما عرفت أنَّ العلم هو المخرجٌ من واقعي المرير؛وما حدث معي كان صخرة ضخمة حطّمت كل أحلامي. لقد تمنيّت أن أكمل دراستي، وأن أحظى بفرصة التعليم كبقية زملائي، كيف حالف الحظ هؤلاء الحمقى! حقًا إنَّ الحياة غير عادلة.
ركلتُ حجرًا من أمامي بقوة، سقط في حفرة سوداء عميقة، تذكرت حينها درس اليوم، كان الدرس عن الثقوب السوداء، قال معلمي بأنها تأخذنا إلى أماكن مجهولة وربما لعوالم أخرى، وقفت أمام الحفرة لأتأملها فاختطفني الشرود. ابتسمت ابتسامة شبه ساخرة، وفجأة شعرت بجسدي يهوي في الفراغ، أخذ واقعي المرير يهيم بعيدًا عني، تذكرت آخر مرة سمعت فيها جرس المدرسة، ضاق الثقب بي و التأم تمامًا ثم عثرت على نفسي في عالم آخر.