رواية ” أسد أم جفيل الأعرج ” (15)

 طارق المأمون محمد | السودان

لوحة: ليسيا بوبلافسكايا

الإشاعات التي تكاثرت و تضاربت حول نية السلطان “هاشم” غزو البادية المحازية للجبال أخذت تتزايد و أنه بدأ فعلا في ترتيب كتيبة من الجيش و أن هذه الكتيبة ستكون و قائدها تحت إمرة الشرتايي “سرور” الخبير بالمنطقة و ذو النفوذ القبلي و الطموح الغير محدود … لم تكن هذه الأشاعات محض إشاعات ولكن بها شيء من الحقيقة “فسرور” المتحدث اللبق وجد أرضا قابلة للزرع في فؤاد السلطان الشاب “هاشم” الطموح الذي كان من الأساس يخطط لضم هذه المنطقة لصالح نفوذه و توسعه فلما جاءت الفرصة في طبق من ذهب فإن من الغباء أن لا يستغلها الاستغلال الأمثل.. و كان “سرور” ذكيا في طرح الفكرة إذ جعلها فكرة متكاملة الأركان حيث أوعز إليه بغنا المنطقة بالذهب الذي سيمول له حملته هذه على سلطان “دارفور” و ماعليه إلا الإستعجال قبل أن يضع الأخير يده عليها , لكن جمع جيش ليس بالأمر السهل حيث أن جيوشه مستنفرة في الغرب الأقصى في حروب مع ذات السلطان ذي القوة و المملكة العظيمة. فقرر أمرين أن يرسل الى سلطان سنار ملك الفونج مليك شرق بلاد السودان و الحبشة يطلب منه دعما و يعده بأن يظاهره على ابن عمه القريب , و تحت إصرار “سرور” و تبسيطه للأمر اتخذ قرارا آخر بإرسال سرية تفرض الهيمنة و تبسط النفوذ و تعلن الوجود قبل أن يأتي الرد من ملك سنار , فقام بجمع عساكرها من الجيش الموكل به حماية “الأبيض” العاصمة …. و جعل خطة التحرك بيد “سرور” الذي قرر أن يباغت منطقته التي ولد فيها بجيشه الغازي عبر الطريق الغربي البعيد الذي جاء به من قبل و الذي يشق الغابات و لا يسير به الا صاحب غرض لا يريد أن يضطلع على غرضه أحد…
و في ليلة الخميس المظلمة و التي صادفت آخر شهر جمادى الأول و البرد يبسط هيمنته على الوجود تحركت السرية نحو الجبال التي لم تسقط عسكريا في يوم من الأيام لأي غاز أو طامع غير تلك المرأة التي حكمتها قبل نيف و ثلاثة آلاف عام…
قال “حاكم” لصهره الذي ناصره في تثبيت المنطقة من فتنة سرور التي كادت أن تعصف بسلام مكونها الإجتماعي :
– أخشى عليك من تحركات “سرور” المريبة فلربما ستطاع أن يحرك الأطماع في قلب السلطان المتهور “هاشم” … فلو انتظرت قليلا ريثما تهدأ الأمور قليلا..
قال “مهران” و هو يربط السرج على ظهر الحصان و يرفع مؤونة سفره الى مواقع الذهب حيث يعمل له أناس بإشراف أحد عماله الثقات:
– لقد أطلنا الغياب عن مواقع العمل و هذا عمل لا يتحمل الغياب عنه كثيرا وأخشى أن يجد أحد من العمال ما أبحث عنه فيسرقه أو يخبأه عنا فيضيع جهد سنتين و أمل عمر بأكمله… لا تخش سرور فما أعتقد أن السلطان “هاشم” بهذه الغشامة ليتهور في مغامرة كهذه…
– الأشاعات كثيرة كلها تؤكد و تقول أن “هاشم” سيحرك كتيبة الى هنا لتحتل الوادي و جباله … و إن كان هذا صعب في ظل الحروب الكثيرة التي تشغله و جيشه لكني أعرف “سرور” و مقدرته على الإقناع و أعرف شباب السلطان “هاشم” و تهوره و نفسه الطماعة التي تزين له ما ليس بحقه.. لو انتظرت قليلا حتى يأتي رد السلطان على رسالتنا … أو دعني أرسل بعض العيون التي تأتينا بالأخبار قبل أن تتحرك أرى هذا أفضل من الحركة بدون بصيرة…
– سأتحرى اليقظة والإنتباه لا تخف علي … سأتخذ طريق الغابة الغربي البعيد عن مسار “الأبيض” فلن يتجرء “هاشم” على المهاجمة من خلاله فهو بعيد عن مصادر الإمداد و قطعه سهل…
– إن كان و لا بد فخذ عصاي هذه التي يعرفها أهل البادية جميعا فربما تحتاجها أما أنا فأسلحق بك بعد أن تستتب الأوضاع و تنجلي هذه الغمة…
فلما دخل “مهران” الى “النقو” زوجته قال لها : الخرائط و الورق الذي أريتك إياه لا تفرطي فيه أبدا و إن رابك شيء أو خفت من شيء إدفنيه في طرف هذه الغرفة بعد أن تغطيه بساتر يحميه من التراب و نمله الأبيض.
وصل “مهران” الى ملتقى الطرق الذي يربط بين الطريق المؤدي الى “الأبيض” و بين الطريق الذي ينفذ من خلف القرى متجها الى الجبال…وهو كما ذكر آنفا طريق لا يختاره ذو عقل و لا رأي إلا أن يكون مضطرا كاضطراره .. فلما وقف ليستجم قليلا سمع جلبة تأتي من بعيد من جهة الطريق القادم من “الأبيض” كأصوات الحوافر و صهيل الخيول و أصوات أناس تبين و تضيع بين بقية الأصوات … فلما أمعن النظر لم ير شيئا لكثافة الأشجار و تعرج الطريق و لكن الصوت ما فتأ يزداد قربا …لم يكن تخيل و استنتاج أن هذه القوة ما هي الى قوة السلطان هاشم التي أرسلها الى المنطقة بالأمر الصعب بيد أنها مفاجأة عكست التوقعات تماما… كيف يقدم هذا المجنون على مغامرة مثل هذه , و بدأت أسئلة كثيرة تدور في الرأس أولها ما الذي يجب فعله سريعا … حيث أن المسافة الى أول قرية تبعد مسافة يومين … أهلها يدينون بالولاء لآل حاكم و لسطان الفاشر … لكنه قرر أن يقترب أكثر ليستطلع الخبر و يعرف حقيقة هذه القوة و عددها إن أمكن و نيتها الحقيقية قبل أن يخطو أي خطوة.

يتبع….
طارق المأمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى