بوابة الشيب
خالد رمضان | كاتب تربوي مصري
إنّه سن الأربعين، حيث يقف المرء في مفترق الطرق، ينظر بعينٍ يملؤها الخوف والفزع، ماذا قدمت يداي في هذه الأعوام الراحلة، وكيف ولّت هاربة من بين يدي، كأنها عُجمٌ مستنفرة فرّت من قسورة، وكأنك تنصب لنفسك ميزانًا صادقًا، تزن به سنواتك السابقة، بين الرغبة والرهبة، بين الآمال، والآلام، فلا تستطيع أن تميد أو تحيد، فقد غلبت عليّ شِقوتي، وضاعت بين هذا وذاك حسنتي، لقد أمضيتها شاردا حائدا عن الطريق المستقيم، غمرتني بطوفانها بين المرح، والترح، بين اللهو والجّد، تجري دماء الصِّبا في عروقك، فتتفجر حيوية ونشاطا، فلا يردعك رادع، ولا يزجرك زاجر، ثم تفيق من غفوتك فإذا بك تقف على بوابة الأربعين، وقد وخَط الشيب رأسك، وغيّر الزمان وجهك ، عندها ترتابك رِعشة الخوف من الهِرم وويلاته .
يا حسرتاااااااه ! أحقا أنا ذلك الرجل الذي شاب شعره، وغدا سينحني ظهره؟! لقد مرت تلك الأعوام وكأنها سحابة صيف لم ثلبث أن تنقشع فلا ترى لها أثرا ، أو شهاب خاطفة لمعت ثم سرعان ما انطفأت .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بلغ الرجل الأربعين يمسح الله تعالى على وجهه ويقول: أما ٱن لهذا الوجه أن يستحيي؟
هنا يرجف قلبك بين أضلعك ، فتهيم شوقا إلى خالقك، يااااااا ألله .
لقد أفنيت عمري عابثا لاهيا ، عصيتك فسترتني ، جفوتك فرزقتني، رجوتك فارحمني يا أرحم الراحمين.
فإذا بدموعك تنسكب على وجنتيك، وإذا بسنوات عمرك ماثلة بين ذراعيك، هنا في مفترق الطريق، طريق مضى ما تدري ما الله فاعل فيه، وطريق ٱتٍ ما تدري ما الله قاضٍ فيه .
إن شيب الرأس، وانحناء الظهر، وتساقط الشعر، وتفكك الأسنان علامات لقرب انقضاء الٱجال، والٱمال على حد قول الشاعر :
رأين الغواني الشيب لاح بعارضي
فأعرضٔن عني بالخدود النواضرِ
ويقول الله تعالى:”أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا تُرجعون”
إنما الأعمال بخواتيمها، فمن مات على شئ بُعث عليه.
نسأل الله لنا ولكم السداد في القول والعمل.