شعرية الحوار في رواية (وضاعت دانا) للروائية فاطمة منصور

أ.د مصطفى لطيف عارف | ناقد وقاص عراقي


إنَّ نصَّ الحداثة السردي عند الروائية (فاطمة منصور) يُولَدُ عادةً من قطبَين متفاعلَين ومتصارعَين هما : الذات, والعالَم الافتراضي, فالنَّص الحداثي لا يبدأ في العُزْلة أو الفراغ, بل في نطاقٍ من العلاقات التي تُرسَمُ بين الروائية( فاطمة منصور), والعالَم الافتراضي (الانترنت) أو الواقع بتعارُض مفرداتِهِ وتعقُّد علاقاته, إذ من الطبيعي ألَّا توجد في هذا الكون ذات ” متوحِّدة “, بمعنى أنَّها تُمارس وجودَها بمعزل عن الآخرين وعن الأشياء, رُبَّمَا تتخذ تلك الذات موقف “الرفض” من العالَم الافتراضي, ولكنَّها لا تستطيع أن تتخذ موقف “النفي” منه, ولا تبرز الذَّات في النَّص الروائي نسقاً منعزلِاً عن الآخر كما نلحظها في أثناء حديث الروائية (فاطمة منصور) لنفسِهاِ ,وغنائيتِهِا الدَّاخلية التي يطلق عليها (المونولوج الداخلي للساردة)؛ إذ لا يُمكن النظر إلى تجلِّي الذات متجرِّدةً عن الآخر, فإنَّ من المُحال أن يبرز الآخر في النَّص الروائي بعيداً عن الذات؛ لأنَّ الذات تُشكِّل المحورَ الرئيس في العلاقة الثنائية بينها, وبين الآخر لتتمظهر في النَّص من قريبٍ أو بعيدٍ فهي التي شكَّلت هذا الآخَر بل هي التي خلقتهُ في النَّص , وأقامت علاقتَهُا مع غيره, وأنَّ الوعي الوجداني بالذات لا يتم بطريقةٍ ذاتيةٍ, كما لا يتم بناؤها وتطويرها إلَّا من خلال “الآخر” بإدراكه والوعي به, وتفسير دوره, والصراع المستمر معه, سواء أكان ذلك “الآخر” حقيقةً أم خيالاً, ومهما كان بعيداً أو قريباً, والحوار هو الكلام الذي يتم بين شخصيتين أو أكثر, كما أن الحوار في (رواية وضاعت دانا) يتجه صعودا أو هبوطا نحو خطابات الشخصيات في إطار ما تطرحه من علاقات اجتماعية, ورؤياوية, وخصائص أسلوبية متنوعة,ومن هنا تصبح لغة السرد في الحوار تتسم بحركة الأنا, والآخر في آن داخل التشكيلات الحوارية,إن الحوار لا يرقى بنفسه,ولا يضع مؤشرا بنفسه,وإنما من خلال اصطراعه مع صوت الآخر قربا أو بعدا.

ونلحظ اللغة السردية هنا في رواية (وضاعت دانا) تختلف عن اللغة الشعرية عند الشاعرة (فاطمة منصور), فهي هنا بسيطة, منتبهة, حالمة أحيانا ,وخالية مما يعتري الشعر من ترميز, وإيحاءات, ويبدو لي أن الشاعرة (فاطمة منصور) أرادت أن تكتب شيئا خارج الشعر, وربما أرادت الخروج من كل الأشكال, والتقنيات التي ألفت الكتابة بها,وأردت للغتها أن تظل عارية تماما لتعكس بكل دقة,وحرفية,فهي تحدثت عن علاقة حب تجمع بين حبيبين تكونت علاقتيهما من خلال موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) مثلت شخصية المرأة السورية /دانا/ مريم , وبين الرجل اللبناني/جهاد, فنراها تقول: وكيف اقبل صداقتك, وأنا لا اعرف عنك شيئا !- أنت محقة في حذرك, لكن بوسعك الاطلاع على صفحتي فنتبادل الانطباعات الأولية على الخاص لا مشكلة ونبني في ضوء تواصلنا ما نريد, يقول جهاد منذ ذلك اليوم بدأت معها رحلة جديدة مصرا على التعرف إليها رغما عن رفضها البوح لي باسمها الحقيقي,فالموازنة بينهما تُصبِح بمنزلة مرآةٍ قد تكون أداةً وسبيلاً للتعارف والتجاوز, فالآخر طريقٌ إلى الوعي بالذات بقدر ما يُوقِظُ الذات على حقيقتها, ونحن حينَ ننظر إلى الآخر نرى فيه الجانب المغاير والمختلف , ولذلك قد ننكفئ إلى ذواتنا فنحتمي بخصوصيتنا, وتعترينا حالةٌ من النرجسية أو نعود إلى نرجسيتنا الأصلية حينَ تكون العلاقة بالآخر علاقة تحدٍّ , فالنظر إلى الآخر إنَّما هو اختراقٌ للذات؛ إذ إنَّ الآخر قد يمثل الجدِّية, فيبهرنا بغيريتِهِ, وتجذبنا حقيقتُهُ, ويدفعنا إلى التماهي معه, ولذلك فإنَّ الموازنة معه قد تُفضِي إلى التجاوز ومن ثَمَّ إلى التعارف والائتلاف, إنَّ تضخُّمَ الذات وسعيها إلى نفي الآخر, غدت من السمات المترسِّخة في الخطاب الروائي, ومنه تسرَبت إلى الخطابات الأُخَر, ومن ثَمَّ أصبحت نموذجاً سلوكيَّاً ثقافياً يُعاد إنتاجه؛ لكونها قيمةً نسقيةً منغرسة في الوجدان الثقافي وهي ما تسبَّبت في إحداث انقسامٍ بين الذات, والآخر في الميدان السردي الذي يؤكِّد على تلازُم الذات بالآخر في إشارةٍ إلى عدم تمكُّن الذات من تقوقُعِها على نفسِها واحتفالها بنرجسيتها وهو ما يماثل رأيَ هيغل الذي يُشير إلى أنَّ الفرد يكتشف “الأنا” الخاصة به ليس عن طريق الاستبطان, بل عن طريق الآخرين في سياق عملية الاحتكاك والنشاط منتقِّلاً بذلك من الخاص إلى العام, فنراها تقول:عليك الخروج من ظلمة اليأس إلى نور الأمل, فالحب وحده يا صديقتي سبيلنا إلى السعادة والنشوة, ادعوك باسم صداقة ناشئة بيننا أن تقفي اليوم أمام المرآة مستغلة غياب ولديك فتتبرجي ثم تقارني بين مريم في الصورتين صدقيني ستهمسين في داخلك ما أجملني من حقي أن أقع في حب من يليق بي – أعدك بان أحاول العمل بنصيحتك إذن ثمَّةَ جدل قائم بين الأنا, وذاتها من جهةٍ, وبينها وبين الآخر من جهةٍ أخرى, فالأنا تتحدَّد في متكلمٍ بعينه على المستوى اللغوي, وعلى المستوى السيكولوجي, تتحدَّد عبر حالات الوعي الذاتي من خلال بوابة اللغة التي هي أوجب الأفاعيل الوجدانية؛ إذ يتم بوساطتها وعي الإنسان لذاتهِ, أمَّا الآخر فقد يتموضع في ذواتٍ أُخَر تكون مرآةً لأناهُ, وقد يتحقَّق هذا الآخر في الذات الوجدانية أو في العالم الافتراضي بما يشتمل عليه من كائنات وظواهر على نحوٍ يُبرز التفاعلَ بين الأنا ,وذاتها ,أو الذات وذواتٍ أُخَر, أو بينها وبين العالم الافتراضي, لقد بدأت (فاطمة منصور) في نصِّهِا الروائي يتمظهر في نوعٍ من الحوار, والحوار الأعمق بين ذاتهِ, وذات الآخر , وهو حوار من شأنِهِ أن يعمل على تشخيص النقائض والمختلفات التي يتألف منها الوجود الإنساني, فكان نصُّهُا الروائي مزيجاً من الداخل والخارج , الخاص, والعام المرئي, واللامرئي , الواقعي والشعري, وأن يُجلي تمظُهرات الذات, والآخر, وتمركُز الآخر وازدياد حضوره في مواضعَ معينةٍ ليعكس اهتمام الذات به وتوافقها معه؛ إذ إنَّه يصدر عن تجربةٍ حقيقية لها مسوِّغاتُها نحو الآخر المحبوب أو الغزلي ولذلك فهي/ الساردة / دانا من فرط حبِّهِا له وولعها به, تراه يبسط لها جانباً كبيراً من عواطفه ,واهتماماته ليجعلها تتمركز على حساب الذات ,فنراها تقول :لا اخفي عليك حين وقفت أمام المرآة وألقيت نظرة على مفاتني أحسست بأنني مقصرة تجاه نفسي فوجدت أن في من الأنوثة والشباب ما يمنحني الحق في أن اطرق سوار حدائق الحب بأحاسيس امرأة عطشى لكني اخشي في هذه الحالة من أي خطوة متسرعة – معك كل الحق لكن ما يطمئن أننا في مرحلة من العمر تؤهلنا لنختار من نحب بالعقل أولا كما واستبعد لواحدانا أن يتسرع فيقع في الندم ثانيا , أن طبيعة الخطاب هنا يكون محمَّلاً بالخشية والخوف من الفقدان والصدِّ والتوق إلى الامتلاك, وأحياناً أُخَر تكون الذات مرآة لها تقوم بتشذيبها , وتستعرض فيها ما يتخلل ذهنها من أفكارٍ ورؤى , ولذا فإنَّ الذات هنا تحتلُّ نسبةَ المركز قياساً إلى الآخر الذي يكون حضورُهُ مكمِّلاً لصورةَ الذَّات بما يُحقِّق صورةَ التَّلازم بين الذات والآخر, وبمعنى آخر يكون للآخر حضور نسبي يستدعي وعياً من الذات بدلالة وجودِهِ في المشهد السردي إذ يتدخل هذا الآخر بأشكاله المختلفة في الضّغط على جزءٍ من الذات المتداخلة وتوجيه وعيها, وإن أهم ما يميز الشاعرة, والروائية, والناقدة (فاطمة منصور) قدرتها على السرد المرئي عن طريق حوارات جميلة كتبتها الروائية بلغة شعرية, وشاعرية ورسمتها كاللوحات الفنية بريشتها النقدية, وهي مشاهد سينمائية لقصة وقعت بين حبيبين على الرغم من فشل هذه التجربة الحقيقية التي حدثت بالعالم الافتراضي (الانترنت) فضلا عن قدرتها على شد المتلقي من خلال الحوار الداخلي المونولوج , وقدرتها الفائقة على تسلسل الإحداث ,والتشويق الجميل الذي يجعلك تعيش كل لحظات الرواية وكأنها تمثل أمامك, وأنت تبحث عن النهاية, ومن خلال تصوير الروائية الجميل للمشاهد,والأحداث, والحوارات الداخلية ,والخارجية, فضلا عن ممارستها للنقد ألاذع للإرهاب الذي دمر الأبرياء من النساء والأطفال, واختار الأسواق المزدحمة ليصب جم غضبه على الفقراء, والمحتاجين في سوق اللاذقية , وتناولت قضية من أهم قضايا المجتمع, وهي قضية الكبت الجنسي عند الرجل والمرأة الذين يعانون من الحرمان وإشباع غرائزهم عن طريق الانترنت, وبصورة سرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى