قُبَلٌ على الأقدام قبل الجبين

منى النجم | كاتبة عراقية

مفردة أم حين نحللها صوتياً وإيتمولوجياً تأتي من فعل الرضاعة حيث إن الميم صوت شفوي أنفي يتبادل الموقع مع الباء الشفوي الإنفجاري المجهور ولذا يعتقد علماء اللغة أن بابا وماما كمفردتين هما مفردة واحدة ذات مستويين بمعنى أن الطفل يضع الأم في المرتبة الأول من خلال الميم بينما ينتقل الى الباء قرينتها الصوتية ..الإلهة السومرية مامي كما يبدو مشتقة من الأم بمعنى أنها تسمية مجازية من تسمية مادية أصلاً كما هو الميكانزم المعتاد في قوانين التسمية ..كما يعتقد أن نينوى الآشورية هي تقليب صوتي على مامي السومرية ونينوى مأخوذة من اسم السمكة “نون” في الأكدية ..في اللغات الهندو- أوربية والسامية يبدو أن هناك اتفاق على المفردة بمعنى أن هناك جذر سامي- هندو اوربي ممشترك يعطيناً قبساً من دليل على اللغة الإنسانية الشاملة التي تفرعت منها اللغات جميعاً .. فكما أن أم العربية وموذر الإنجليزية ومودر السويدية ومات الروسية ومادر الفارسية والكردية وفي الأوردو والسنسكريتية توحي بأن هذا جذر مشترك يأتي من الصوت الخاص بفعل الرضاعة الذي يطلقه الطفل كما أن كلمة أب العربية تشترك معها صوتيا بتبادل للمواقع مع الميم حيث يظهر الباء بدلاً عنه كما أسلفت ..فاذر الإنجليزية وفادر السويدية (في الروسية أتيتس مأخوذة من اللغات التركية لكن يبقى اسم التصغير او التدليل بابا موجوداً في الروسية) في الكردية والفارسية والاوردو والسنسكريتية تأتي كلمة بادر ..مفردة materia في اللاتينية التي تعني مادة وتعني أيضاً خشب مأخودة كما يقول الإيتمولوجيين من كلمة ” أم ” بمعتى المادة الأم..وكاستنتاج منطقى فإن كلمة مادة العربية والسامية هي مشتقة أيضاً من ممفردة “أم “..جاءت التوراة تتويجا مرعبا للهرم الأعلى في المجتمع الذكوري فقالت إن حواء خلقت من ضلع أعوج ( وهل هنالك أضلاع مستقيمة) في صدر آدم رغم أن ذلك لا نجده في القرآن فالآية تقول : هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ، رغم لي المأولون لعنق الحقيقة وتصوير أن النفس هي آدم … أمر مثير للإهتمام طرحه باحث سويدي يقول أن صوت “إششششش” الذي نستخدمه لإسكات الناس والذي يستخدم في لغات كثيرة أصله أن الجنين يحيط به ماء الرجم فيبقى يسمعه طيلة أشهر ليزرع قبل كل صوت في ذاكرة الإنسان ويصبح إيحاء هائلاً ينوم الناس مغناطيسيا فيدفعهم إلى السكينة…تيتمت شخصياً في عمر الحادية عشرة وبقيت أمي التي كانت في الثامنة والعشرين تكافح في تلك القرية المجهولة المتخلفة في أهوار الناصرية لتبعث إثنين من أولادها وإحدى بناتها الثلاث إلى الجامعة حيث كانت وأخياتي يحكن السجاد حتى الثانية عشرة ليلاً كمصدر رئيس لدخل العائلة…فكم من تضحيات قامت بها الأمهات والأخيات العراقيات ..تهنئة لهن في هذا اليوم وقبل على الأقدام قبل الجبين…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى