وقفة مع المشهد الفلسطيني
محمد زهدي شاهين
في لقاء جمع بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ولجنة الوفاق العربية في الداخل المحتل في شهر اكتوبر من عام ٢٠١٧م، أكد سيادة الرئيس محمود عباس على ضرورة تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية وإنهاء الانقسام، معتبراً هذا الأمر مصلحة وطنية عليا يجب تحقيقها. وقد اشار في ذات الوقت بأنه قد اعطى تعليماته لكافة الجهات المسؤولة بالعمل المضني وتذليل كافة العقبات أمام تحقيق المصالحة.
وفي ذات السياق فقد اتفق سيادة الرئيس اثناء لقاءه وفد المخابرات المصرية في شهر سبتمبر من عام ٢٠١٨م على ضرورة تحقيق المصالحة وانهاء ملف الانقسام.
من هذا نستشف بأن ملف انهاء الانقسام هو نهج دأب ويسير عليه الجميع، وبشكل خاص القيادة الفلسطينية وحركة فتح بالتحديد. هذا ما يؤكده ايضاً اللقاء والاتصالات التي جرت بين الأخ اللواء جبريل الرجوب امين سر اللجنة المركزية لحركة فتح والأخ صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في عام ٢٠٢٠م، واللقاء الذي جمع ايضاً الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية بالجزائر على ضوء المبادرة التي اطلقها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مؤخراً.
من خلال تتبعنا لملف انهاء الانقسام الفلسطيني نؤكد على ما ذكرناه بأن انهاء الانقسام والوصول الى مصالحة فلسطينية هو نهج انتهجته حركة فتح كونها حريصة اشد الحرص على انهاءه ولملمة الحالة الفلسطينية لكي نصبح جبهة صلبة امام كافة التحديات عوضاً عن حالة التشرذم التي انهكتنا واستنزفتنا خلال هذه السنوات.
إن أي تصريح يخالف هذا التوجه اعتقد جازماً بأنه لا يعبر حتماً إلا عن وجهة نظر شخصية كونه ينكأ جرحنا الفلسطيني الغائر الذي نسعى جميعاً لشفائه، وهي قطعاً لا تمثل حركة فتح باعتقادي كونها لم تصدر عن جهات مخولة بذلك.
إن حركة فتح هي أول فصيل فلسطيني وقع على اتفاقية الوفاق الوطني عام ٢٠٠٩م وهذا يحسب لها كونها كانت مبادرة ومسارعة في حسم توجهها، فيما وقعت باقي الفصائل الفلسطينية على هذه الوثيقة عام ٢٠١١م.
إن المزعج في الأمر بأن تصدر تصريحات تتعلق في هذا الشأن من شخص يمثل الرئيس الفلسطيني مع العلم بأنها غير منسجمة تماماً مع توجه الرئاسة الفلسطينية، والمزعج اكثر من ذلك تزامنها مع تصريحات تتعلق بأمهات الشهداء الثكلى الذين سقطوا مؤخرا وخلال السنوات الأخيرة، اللاتي يُظهرن رباطة جأش منقطعة النظير اثناء تلقيهن خبر استشهاد ابنائهن، وخلال مراسم التشييع ايضاً، وهذا اعزوه الى إيمانهن الراسخ بعدالة القضية وبحتمية النصر، وبنيل فلذات اكبادهن احدى الحسنيين.
إن التحديات أمامنا اليوم كثيرة ومتعددة، لهذا يتوجب على أي مسؤول فلسطيني بأن يختار كلماته بعناية تامة وبأن لا يتيح المجال لتأويلها بل يتوجب عليه بأن يكون واضحاً كل الوضوح، فالحالة التي عليها ابناء شعبنا الفلسطيني الملام الأول والأخير فيها هو الاحتلال بشكل رئيسي، الذي وأد وأنا اعني ما اقول بأنه قد وأد فرص تحقيق السلام الذي كنا نتطلع ونصبوا إليه. لهذا كان لا بد لنا من وقفة عند هذا المشهد لحساسيته، ونحن أيضاً نثمن موقف كل مسؤول فلسطيني يقوم بالاعتذار والتراجع عن خطأه. لكن استمرار الوقوع في الاخطاء وتزامنها يعد أمراً في غاية الازعاج، مما يتطلب اتخاذ موقف وتدخل رسمي من اجل منع تكرار ذلك.