الانتفاضة في إيران وسياسة الغرب
سمير عادل| العراق
إن الخامنئي يعرف أكثر من غيره ان الاحتجاجات التي تجتاح المدن الإيرانية ليست لها علاقة بأمريكا وإسرائيل، كما يدعي بأنهما يقفان ورائها، وكلا الطرفين سواءً الطبقة السياسية في طهران او الطبقة السياسية الحاكمة في أمريكا وإسرائيل، بحاجة الى بعضهما، لإعادة انتاج الابتزاز السياسي والاقتصادي لبلدان المنطقة كتحصيل حاصل في صراعهم على النفوذ.
لا جديد في الامر، اذ قلنا سابقاً أن أمريكا وحلفائها الغربيين يمتهنون النفاق السياسي بحرفية عالية، فمقارنة بين ما فعلوه في أيام الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩ وبين ما يحدث اليوم، كشف عن وجه سياستها المنافقة، اما الجديد فهو انهم يراهنون دائما على ضعف الذاكرة او على (نعمة النسيان) كما في عنوان اغنية المطربة ( ميادة حناوي) ، وبهذه المناسبة نود الإشارة الى ان تحول الإسلام السياسي الى غول يجثم على صدور الجماهير في بلدان الشرق الاوسط هو بفضل سياسات الأنظمة الغربية، وما تصدر من مواقف من البيت الابيض وقصر اليزيه وداون ستريت وبروكسل في دعمها للاحتجاجات العظيمة التي تجتاح مدن ايران، فهو ليس الا نفاق سياسي محض ومحاولة فاشلة لغسل ذنوبها وتبرئة نفسها من هذا النظام المستبد والرجعي والاجرامي.
عندما كان العالم خارج الانترنيت في عام ١٩٧٩، كانت إذاعات (مونتي كارلو) و(صوت أمريكا) و(بي بي سي) تذيع خطب الخميني الى الشعب الايراني، وكانت رحلة من رحلات الخطوط الجوية الفرنسية توظب اغراضها لتحط في طهران، وينزل من على متنها الشخص الذي صنعه الإعلام الغربي، وسوّقه الى الثورة ليتم تعويمه بعد ذلك، ووكلت إليه وظيفة وأد النزعة العمالية واليسارية والتحررية، والمعادية للإمبريالية السائدة على الثورة الايرانية، لقد حول العالم الغربي و بسياسات جهنمية ومخطط لها ، شخص مثل الخميني الى قائد للثورة الإيرانية، والحق يقال كانت عملية ناجحة في اختطاف سافر للثورة وفي وضح النهار. كما فعل الساسة الغربيون أنفسهم تجاه الثورتين المصرية والتونسية عام ٢٠١١، حيث قاموا بشكل فعال في تعبيد الطريق امام جماعة (الإخوان المسلمين) للالتفاف على الثورة وتفريغها من محتواها ودعمها سياسيا وماليا لوصولها الى السلطة- تقديم ادارة أوباما ٣٠٠ مليون دولار لدعم انتخاب محمد مرسي- على سبيل المثال وليس الحصر، او في افضل الأحوال مقايضة الجماهير أمنها وسلامتها في مقابل استمرار الفقر والسلب والنهب وسلب الحريات وامتهان الكرامة الانسانية او فتح الاقفاص لإطلاق الوحوش الكاسرة من الجماعات الإسلامية لنشر الفوضى والحرب الاهلية والعبث بحياة الناس ووضع مستقبلهم في مصير مجهول كما حدث في سورية والعراق وليبيا واليمن.
ان الغرب عموما والولايات المتحدة الامريكية خاصة، ليس هدفها ولا سياستها الحالية اسقاط النظام في ايران، ولم تكن تدعم يوما أية انتفاضات من أجل الحرية والمساواة في أي مكان في العالم، فهي تجد في احتجاجات ايران سوقا لتسويق بضاعتها وتجديد إنتاج مفاهيم “حقوق الإنسان”، وهي ادواتها الايديولوجية في صراعها مع الأقطاب المنافسة لها او التي لا تدور في فلكها مثل روسيا والصين والدول التي تستند عليهما، وإيجاد المبررات للتدخل في شؤونها لابتزازها سياسيا واقتصاديا، وهذا ما يحدث اليوم بالضبط في ايران، فإعلان العقوبات على وزارة الداخلية وشرطة الأخلاق ومسؤولين إيرانيين من قبل الاتحاد الأوروبي وكندا وبريطانيا وامريكا، هو محض هراء ولا يغير أي شيء من السياسات القمعية لنظام الملالي في ايران، بل ان العقوبات على المسؤولين الإيرانيين ، بقدر ما هو ضحك على الذقون، هو بنفس القدر تحريك للمياه الآسنة التي تطفو عليها مفاهيم “حقوق الإنسان”، ونشدد على (حقوق الإنسان) لأنها المقولة او اليافطة التي تحتها تتدخل أمريكا وحلفائها في شؤون العالم وتعمل على تغيير أنظمتها السياسية إذا ما حاولت الدوران خارج فلكها.
ان مشكلة الغرب مع نظام الملالي في إيران ليست حقوق الانسان، ولا الماكنة القمعية للأخيرة التي تطحن المنتفضين، ولا لأنها تقمع النساء، ان مشكلته هي مع الطموح السياسي والاقتصادي الذي تمتلكه الطبقة السياسية الحاكمة في إيران المتمثلة بالملالي، لإيجاد موقع لها في المنطقة والاعتراف بحضورها السياسي والقبول باقتسام النفوذ مع الأقطاب الإقليمية الأخرى مثل السعودية والامارات وتركيا وإسرائيل.
ان الغرب لم ولن يدعم أي قوة تحررية وثورية وعلمانية في الشرق، فهو من صنع الإسلام السياسي، وإذا ما أقدم على أعادته الى عمق التاريخ، أي اذا ذهبت ابعد من سياسته الحالية في اسقاط الجمهورية الإسلامية، فهو بمثابة من يطلق النار على قدميه، فالدين في الشرق كان ابدا سلاحا ماضيا بيد الغرب يستخدمه في صراعه مع أية قوة ثورية وتحررية تحاول الإفلات من قبضته، وسعيها الى دك معاقل شركاته ومصالحه الاقتصادية والسياسية، وقد افشى المستشار الأمن القومي الأمريكي السابق زبغنيو برجنسكي السر الى صحيفة روسية بعيد احتلال العراق عام ٢٠٠٣، اذ قال ان من مصلحة أمريكا أن تصل الأحزاب الإسلامية الى السلطة في العراق.
ما نريد ان نقوله هو انه من الوهم كل الوهم، انتظار الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية بتشدقها حول حقوق الانسان، وأنها ستدعم تغيير كبير في إيران، الا إذا كان ذلك التغيير يحقق مصالحها، مثلما حدث بما سمتها بالثورات الملونة في البلدان التي كانت منضوية في الكتلة الشرقية في نهاية القرن المنصرم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
انها أي الولايات المتحدة الامريكية تريد ابتزاز نظام الملالي وترويضه ليس أكثر، فسقوط الجمهورية الإسلامية يعني وصول دويها الى اقصى بقاع العالم، وستتغير كل المعادلات السياسية والتوازنات الدولية في النظام الرأسمالي العالمي الذي يئن بسبب حرب الطاقة إثر تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا الى جانب أزمته البنيوية. انها وبريطانيا وفرنسا من صنعت نجما سمته الخميني ليقف سدا منيعا بوجه اليسار والاشتراكية والشيوعية في إيران، وسيبقي هذا النظام الجائر يجثم على الافئدة طالما لا يشكل نظام الملالي في إيران خطرا سياسيا وأيديولوجيا عليها.
ان قلع جذور الإسلام السياسي مرهون بنضالنا، سواءً في إيران اوفي العراق أو في عموم المنطقة، انه مرهون بنضال كل التحررين والثوريين. لقد آن الأوان لنُعِد العدة لكنس الإسلام السياسي وإنهاء تطاولاته على النساء والعمال والموظفين، لقد رفعت نساء إيران مشعل التغيير، وها هم طلبة الجامعات والاعداديات، اضافة وعمال البتروكيمياويات والنفط والمئات الاف من الجماهير في المدن يلتحقون بها.
لقد أزفت ساعة أفول الإسلام السياسي.