المفرزة التي لاحقت المشاهير (10)

  • من حقيبة مذكرات الكاتبة وفاءكمال الخشن | لبنان

اتصلتُ في اليوم التالي. فأجابني الماغوط بتثاقل ولهجة مليئة بالجفاء. جعلتني استغرب لأنني نسيتُ أنني أغلقت بالأمس سمَّاعة الهاتف فجأة دون تبرير منطقي . تمتمتُ بصوت منخفض : (يبدو أن المزاج هو ربه العالي. وقديؤدي إلى انقطاع الجسر بيننا قبل أن أنجز  الحوار لو ظل متقلب المزاج).
قلتُ: مابكَ هل أنت مريض؟
ـ نعم متوعك ومتعب وحزين
ـ إذاً لنؤجل الحوار
ـ (ك… إخت الحوار)
نزلت كلمته السوقية فوق رأسي كالصاعقة، (صحيح أنني أستلطفه، لكن لا يعني ذلك أن أسمح بإزالة الحواجز  بيننا لذاك الحد . حاولتُ البحث عن مبرر  منطقي لذلك الغضب . قلتُ:  أشعر أنك ثمل ومتعب . نتحدث في وقت آخر.
قال: لا سأنتظرك في الرابعة بمقهى” الهافانا “تعرفينه بالتأكيد.-
ـ لا..لا أعرفه من قال لك: إنني أرتاد المقاهي؟
ـ المقهى في مدخل الصالحية لايتيه أحد عنه. .
كنتُ مثل المنومة مغنطيسيا لا أعرف لمَ لم أرفض الذهاب؟ بدوتُ كعربة تندفع نحوه بينما عجلاتها تتحرك نحو الخلف . خاطبتُ نفسي: ” الهافانا ” !! من اسمها تبدو ملاذاً للسكارى . هل من الممكن أن يورِّطني بالذهاب إلى هناك؟ على كل سأذهب وإذا لم يعجبني المكان أدعوه لعيد ميلادي وأودعه.


لكن كان لدي مشكلة تقف حائلا دون إحياء حفل لائق ..وهي الحُفَر التي نجمت بعد إزالة الجدار بين غرفتين .لكي أحظى بصالة واسعة .وقد قلت لصديقي الشاعر (جمال زين الدين) : والدي يرفض ترميم الجدار ، وهو مصر على إعادة بنائه ، وأنا لا أملك المال لترميمه. واقترحتُ عليه أن يساعدني بإخفاء الحفر (عندما يعود والدي إلى لبنان) بواسطة قطعة قماش كبيرة خضراء مطبوع عليها اسم عطر ( بروت) طباعات كثيفة ومتلاصقة باللون الأسود، كنت قد حظيت بها كهدية من شركة تجميل.
راقت الفكرة لجمال وخصوصاُ أنها غير مكلفة . قال لي وهو يلف قطعة القماش على جوانب الحائط المهدم , ويخفي بها الحفر مستخدماً مادة لاصقة ومسامير وقليلا من الجص : أبعدي السكاكين من المطبخ والأدوات الحادة أخشى أن يعود والدك ويقضي علي هذه المرة .
كان جمال مهتماُ لموضوع الديكور أكثر مني لأني وعدته أن أقدِّمه للماغوط على أنه شاعرشعبي .
راح جمال يزين الحائط بشغف وهو يردد قصيدته التي سيمليها أمام الماغوط . أثناء الحفل واتفقت معه أن ألح عليه بأن يقرأ القصيدة ..وكلما ردد جزءاً من القصيدة تساقط الجص على ثيابه .. أضحك وأقول له :
لاأظن لو رآك الماغوط بهذا الشكل ستعجبه القصيدة.
لبخ قليلا من الجص وهو يردد جزءاُ آخر من قصيدته الشعبية :
عالسُكَيْت عالسُكَيْتْ
مهما قلتْ وشو ماحكيْتْ
عندك مابْزوركْ بالبيتْ
كان ينشد قصيدته وقد علِق بعض االجص على رموشه , فدعك عينه حتى احمرت وبدأت تتساقط منها الدموع ..ناولتُه قطعة قماش وسخة لم أجد غيرها أمامي وأنا أضحك وأقول : لو زرتها بالبيت لَطَرَدَتْكَ .أنظر كيف أصبحتَ كفأر الطحين ..كان جمال لايتمالك نفسه من الضحك وهو ينظر إلى ملابسه التي تعفرت بالجص والمادة اللاصقة ، بينما انا أقوم بإزالة العوالق خلفه وأقول لقد أصبحت الصالة كمقامات الأئمة .لم يبق إلا أن نضع شبَّاك ونقول للضيوف : إنه موسم زيارة السيدة زينب (ع ) .قلت لجمال : سأدعه يأتي زحفا أو يركض ركضة طويريج …اقترح جمال بعد لف القطعة الخضراء تزيينها بشريط من الأضواء الصغيرة الملونة كان قدأحضره معه . وحين لف الشريط تحولت الصالة من شكل المزار إلى مايشبه الملهى .وباتت ملائمة للحفل تماما .وعقدت العزم على دعوة الماغوط .بعد يوم حافل بالعذاب والضحك والأمنيات.
يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى