مقطع من رواية حذاء فيلليني

وحيد الطويلة | روائي وأديب مصري

زوجي.. دلقتها وهي تومئ بعدم اكتراث في اتجاهه.
جسد مقهور على السرير، يبدو هكذا لأول وهلة رغم أن جرمه يكاد يملؤه، المعالج يعرف الجسد المهزوم بنظرة، مرتخياً يحرك يديه بوهن من آن إلى آخر كأنه يقاوم، يحرك يداً واحدة في الهواء بقوة ويصرخ بغمغمات غير مفهومه لا تسمع منها سوى لفظ رقبته، سأطير رقبته، ثم يعود مرخياً إلى وضعه الأول.
لاحظت أنه لا ينظر ناحيتنا، اقتربت منه على مهل، ممدداً في رقدته ووجهه ملويٌّ بعنف ناحية اليسار، مددت يدي مدفوعاً بأسى وافر أتحسس وجهه ورأسه بلطف وأنا أحاول أن أمازحه، لم تكن ملوية فقط، بل راسخة في مكانها الجديد، مستقرة فيه كأن كلاب الجحيم هاجمته فجأة وهو نائم يحلم بالجحيم، كتمثال شمع في متحف جارته مارلين مونرو فالتوى عنقه من شدة النظر إليها وبقي هناك، أو كواحد في سجن للتعذيب اغتصبوا امرأته أمام عينيه فأشاح بوجهه رعباً وجزعاً فتصلَّب على هيئته.
انحنيت أمام بشاعة المنظر.
حتى لو كنت تملك قلباً بارداً ككل الأطباء، يجب أن تنحني بأسف شديد أمام رقبة محنيَّة عكس اتجاه الحياة، القصة ليست في التعاطف وإن تعاطفت، القصة فيما تفاجئك به الحياة وهي تلعب بقسوة في مصائر البشر.
زوجي.. ضابط كبير.. اعذرني دخلت عليك فجأة من غير ميعاد.
تقولها كأنه غريمها في حلبة للمصارعة يجب أن تنتهي من أمره، كأن وراءها ميعاداً غرامياً ولا يمكن لأي شيء أن يؤخرها مهما كان، أو تريد أن تحضر حفل توزيع اليانصيب بعد أن اشترت تذكرتين وتأمل بالفوز، تفلت الجملة منها ولا تحاول أن تغيِّر انطباعي عنها.
هل يكون هو؟ ذلك الذي سمعت عنه بالأمس من جارتنا حين همست لي أن أتبعها بعد قليل، أخذتني إلى حمام بيتها، فتحت الصنابير وقامت بتشغيل دش المياه، قالت إن ضابطاً أقام علاقة مع زوجة رئيسه ، كان يلعب في ظهره طوال الوقت، وعندما اكتشف الرئيس الحكاية تبادلا رفع الأسلحة فيما بينهما، وأن الفضيحة لفَّت المدينة همساً، ولم يجرؤ أحد على البوح بها علناً، لكن ما كشفها وأبان المستور ما تردد أن معالي الوزير- ضغطت على لفظ معالي ومطته – جاءت تأشيرته على تقرير الواقعة بجملة فضحت الموضوع: “ينقل الرَّكّيب ويوقف المعرص”. جملة نقلته من الهمس تحت الدش إلى الهمس فوق السرير، ومن ساعتها التوى عنق المعرص ناحية اليسار، فضحت الموضوع لكن لا أحد يستطيع أن يحكيه فعلاً إلا تحت الدش. حذاء فيلليني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى