حكايا من القرايا.. لاقاك يا بلوط مين يعرفك

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

قالوا: الشّرّ من شرارة، نعوذ بالله من الشّر ومن شرارة… اسمه جميل صالح الرشيد، ولقبه ” شرارة ” لا هو جميل ولا رشيد… ولا حتى صالح. شرارة شبّ على اللصوصية والحرمنة، وكان في العائلة ضمن دزينة من الإخوة والأخوات، فما لقي التربية اللازمة من الأهل، وكان في المدرسة في صف يسكنه أربعون تلميذاً، فلم ينتبه له المعلمون كثيراً، فنشأ كأنه إنسان بريّ، يفتعل مشكلة هنا… وأخرى هناك مع أقرانه، ولا يحترم من هم أكبر منه سنّاً، حتى والده كان يشتكي منه وكذلك أمه… يسرق بيض الدجاج ويبيعه، ويغزو أعشاش الحمام ليلاً، يسرق زغاليلها ويبيعها… هذا في طفولته المتأخرة… أما في شبابه، فكان لا يسلم منه حقل، ولا زريعة، اقتنى حماراً قبرصياً أبيض… وخمس عنزات سود، وسكن وحده في بيت مهجور، فتحه واستصلحه، وعاش فريداً وحيداً… ينتظر أن تقبل به بنت الحلال، علّها تعينه على مصاعب الدهر، وتؤنسه… ولكن من يصاهر شرارة؟ ومن يتحمل شقاوة شرارة؟ الرجل ما قصّر فقد طلب يد أكثر من بنت… لكنه كان يبوء بالفشل في كل مرة…
ذات ضحى كان شرارة يصيح، يسب ويلعن ويرغي ويزبد… اجتمع حوله أهل بلدته، واستفسروا عن سبب صياحه، فاتهم الناس بأنهم سرقوا (قُعْد) السمسم عن سطح بيته… كان قد وضع قش السمسم على سطح بيته، حتى يجف، ويكتّه ويستخرج منه حبّ السمسم، لكن أحد الذين هم أشقى من شرارة، سرق ما جمع شرارة… سأل الناس شرارة: أأنت زرعت السمسم؟ أجاب بالنفي، إنما هو سمسم سرقه شرارة من حقول العباد، وجمعه على سطح بيته لينشف ويبيعه، قالوا له: إذن مال السلب يُسلب… وأسرّها شرارة في نفسه…
لكن الشرّ لا يدوم، وممارسات شرارة إلى زوال. في عصر ذاك اليوم، وبينما كان شرارة يزمر على نايه، وعنزاته السعدانات (متورشعات) الشجر، وأتلام الكوسا المزروع والبندورة، صاح صاحب الشجر: خاف من الله يا شرارة… ما هذا التخريب؟ لقد أتلفت أغنامك الأشجار والمزروعات… رمى شرارة نايه جانباً، وهجم على الصائح، وهو يشتم ويسب… وقالوا ” يا فرعون مين فرعنك؟ قالوا: من قلة اللي يردك” قطع من الشجرة عصا على عجل، وهجم على المزارع… لكن يا شرارة هالمرة ” ما أجت العتمة ع قد إيد الحرامي ” سمع مزارعو الأراضي صياح شرارة، ورأوا الشرر يقدح من عينيه، وعلموا سبب صراخه، ودون اتفاق مسبق هجم الرجال عليه، أخذ خليل عصاه وكسّرها على ظهره… وبطحه محمود ورفش في بطنه، ولكمات طالعة وأخرى نازلة… وكأنهم يقتصون من أفعاله كلها، وربطوه في حبل، وساقوه هو وغنمه إلى القرية… وإلى بيت المختار… رأى المختار البهدلة في وجه شرارة، وسمع الحكاية من طقطق للسلام عليكم، وأعطى أوامره لفك قيده… وكتب ورقة مهرها بختمه وإمضائه، أن يتكفل شرارة بدفع الضرر، ولا يقربّن الحقول بعد هذه الفعلة الشنيعة… وبصم شرارة على الورقة… ومن ذاك اليوم انطفت الشرارة، ولا حِس ولا نِس… وبطّل حدا يجيب سيرته… الرجال ظب حالو وانظب…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى