فكر

ثقب أسود

د.أسماء السيد سامح

اللي بيعمل لنا أزمة حقيقية في أحيان كتير ما بنقدرش نتجاوزها: المسارات الكتير اللي بنمشي فيها مع بعض -كأننا بناكل في آخر زادنا!- وما تمثله من ضغط نفسي حقيقي ومضيعة للوقت ولفت نظرنا عن الحاجات المهمة اللي كان أولى نهتم بيها!

شغل ودراسة وهوايات وعلاقات والتزامات اجتماعية ووعود وخطط… بدون فرز أو ترتيب أولويات أو إعادة فحص وتدقيق كل شوية لاستبعاد غير الملائم أو إعادة هيكلته بما يناسب المستجدات وتغيرات شخصياتنا واتساع رؤيتنا…

ثقب أسود !

والغريب إن أغلب هذه المسارات، ما بيبقاش ملائم لينا خالص، ولا مناسب حتى لصورتنا عن نفسنا أو للهدف اللي متصورين إنها هتحققه في النهاية، ومع ذلك مصممين نكمّل، ونجري، ونفتت طاقتنا -المعدومة أصلا!- حتت صغيرة، نوزعها بسخاء وأريحية على اللي يسوى واللي ما يسواش، لاعتبارات كتير، زي تغيير اعتقاد الناس فينا، التقليد، الإحراج، الاستهواء، الوقوع تحت سيطرة الاستريو تايب المجتمعي، بدء كاريير مختلف، إثبات شيء ما لأنفسنا أو للآخرين، تصور تحقق منفعة ما في الآخر، الفراغ العاطفي، التشويش على أفكارنا السلبية وعمل “دوشة” تستغرقنا…

ساعات بنتصور إن ده الخلاص، دي الحاجة اللي هتغير كل حاجة، بنبقى مصدقين أو موهومين أو متعشمين أو خايفين نعترف لنفسنا بالحقيقة، لكن بعد فترة، بنلاقي الحمل تقل، والمسؤولية زادت، والأمور بتفلت مننا وبتفوق احتمالنا، فبنقف في النص، لا قادرين نرجع فيقولوا علينا عيال ومش قلت لك ومش كان من الأول، ولا عارفين نكمل عشان ما نتحرقش حرفيًا وكل الفيوز تضرب، فمزيد من الأشياء يفلت من بين إيدينا وندخل في دايرة الخسائر التي لا تُعوض!

والحل، من وجهة نظري، إننا نتصالح مع حقيقتنا، جوهرنا، قدراتنا، ظروفنا، ونوفق بين صورتنا الحقيقية عن نفسنا، وصورتنا عند الناس، نعترف بعيوبنا ومشكلاتنا وحدودنا، وننفض نفسنا كده زي الطائر اللي طالع من المية، فكل البلل يتساقط وما يفضلش غير شعور الانتعاش وفهمنا لذاتنا ومعرفتنا لاحتياجاتنا الحقيقية، احتياجاتنا احنا مش احتياجات المجتمع أو الشريك أو العيلة أو طنط سوسو وعمتو صفاء بالإسكندرية، نُبقي على المهم فعلا والفارق والمؤثر والحقيقي والصادق، ونفتح إيدينا عشان نسيب كل التشويش والزحمة والأحلام الخيالية تقع منها…

مفيش حد بياخد كل حاجة، وبيفوز بكل الجوايز والمناصب، وبينال رضا الجميع، وبينجح في كل اللي بيعمله، وبيتقن كل شيء، مفيش كمال ومثالية، مفيش انتصارات على طول الخط دون نقيضها، مفيش شيء مجاني، مفيش ثمرة دون عناء وتخلي ومفاضلات، مفيش بهجة صافية دون كَدَر، مفيش سوبر هيروز…

ولنتذكر، غرضنا في الحياة عمومًا: تجنّب الألم وتحصيل المتعة، لا حيازة العالم بأكمله في قبضة يد! فلنحقق ذلك من أقصر طريق.

رحلة مش سهلة، وقرار أشبه بالحرب على الذات وعلى الآخرين وعلى العادات والتقاليد والسلطة الأبوية وتقاليد القبيلة، لكن.. في لحظة ما هنوصل للسلام النفسي الحقيقي، والرؤية تتضح والزحمة تخف، ونقدر نتنفس ونصحى الصبح من النوم عارفين احنا عايزين إيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى