أمّي
د. إيهاب بسيسو
في مثلِ هذا اليومِ، قبلَ عامٍ، رحلَت والدتِي، رجاء بسيسو نحوَ الأبدِيَّة …
صَباحُ الخَيرِ لوَجهكِ الحَيِّ فِي الذَّاكِرَةِ
يَا أُمِّي …
أنَا هُو …
سَلِيلُ انكِسَارَاتٍ مُرَمَّمَةٍ
بِأضلُعٍ مِن وَرَق …
وهَزَائِم عَرجَاء
كَخُيولٍ مُصَابَةٍ
بِرَصَاصَاتٍ طَائِشَة …
أنَا هُو …
سَلِيلُ قَلَقٍ مُزمِنٍ
مِن تِيهٍ شَرِهٍ
كَبَلطَةِ حطَّابٍ
تَبحَثُ فِي أدغَالِ الوَقتِ
عَن مَزِيدٍ مِن أَعمَارٍ تَالِفَة …
أقِفُ أمَامَ الصَّبَاحَاتِ الغَائِبَة
المَدفُونَةِ فِي التُّرَابِ
الأكثَر دِفئاً مِن مَنفَى …
وصُوَرٍ مُزيَّفَةٍ
يُتقِنُ بَرمجَتَها
خُبرَاءُ اللَّهوِ الافتِرَاضِي
وقَادَةُ البُؤسِ
المُمتَدِّ كَضَبَابٍ خَانِق
عِندَ الحَدِيثِ عَن الوَقتِ
كَفنتَازيا بُطولةٍ …
تُشبِهُ إلى حَدٍّ بَعِيدٍ
مَقاطِعَ عشوائية
مِن أفلامِ حُروبٍ قَديمَة
أنَا هُو …
سَلِيلُ انتِفَاضَاتٍ مُؤرشَفَة
فِي كُتبِ التَّارِيخِ المُعَاصِر …
وصُوَرٍ عَتِيقَةٍ
لِحيَاةٍ أمَامَ البَحرِ
وحُروبٍ تُسَابِقُ الزَّمنَ إلى المَقَابِر
وَويلاتِ غُزَاةٍ
وأحلامٍ مَبتُورَةٍ
فِي هَذيانَاتِ المُساوَاةِ المُزيَّفَةِ
فِي تَقَارِيرِ مُنظَّمَاتِ حُقوقِ الإنسَانِ
الغَائِبَةِ عَن وَجَعِ أطفَالٍ
مُمزَّقَةٍ أَجسَادهُم فِي الكَوابِيس
وبَينَ أسنَّةِ الأسلاكِ الشَّائِكَة …
الشَّاحِبُ فِي مَرَايَا النِّهَايَات …
كَوُجُوهِ مُتخيَّلَة
لعَازِفِي المُوسِيقَى الحَزِينَة
فِي انهِيَارِ اليَابِسَةِ الأَخِير …
الضَّجِرُ مِن كُلِّ شَيء
حتَّى نَشرَة الأخبَارِ المَسائِيَّة
وَوُجوهِ جِنرَالاتِ الحَربِ
اللَّامِعَةِ كَنيَاشِينَ مُزوَّرَة …
أقِفُ أمَامَ صُبحِكِ
المُحَاصَرِ بالرُّخَام …
فِي الاستِعَادَةِ الصَّامِتَة
لِصَوتٍ يُؤنِسُ وِحدَةَ الغَرِيبِ
فِي لَيلِ مُدنٍ مُوحِشَةٍ
تَغرقُ فِي وَثنِيَّةِ الضَّبَاب …
العالَم مُفخَّخٌ بِحُزنٍ انشِطَارِي
وقَنابِل مَوقُوتةٍ مِن صخَب
صُنِعَت …
فِي مُختَبرَاتِ النيو لِيبراليَّة الحَدِيثَة
كَحُروبٍ مُبرمَجةٍ مِن استِبدَادٍ مَائِع …
وفَوضَى دِيكتَاتُورِيَّة
تَسبَحُ فِي أجسَادِنَا …
كَبَرق الاغتِيَالاتِ فِي اللَّيل …
حَيثُ القَتَلَة مَزِيجٌ مِن شَظايَا قَاتِلَة
وانفِجَاراَت …
تَتوهَّجُ فِي عُروقِنَا المُصَابَةِ
بِمُختَلَف أشكَالِ الحَوَاجِز …
لا قَميصَ يَلفُّ جَسدِي
يَمنحُ الذِّئبَ بَراءةً مُؤقتَّة
مِن افتِرَاسِ لَحمِي الحَيِّ …
أنَا اللَّا جسَد
فِي هذَا الكَونِ البَاهِت
كَصُورِ غُربَاءٍ غَرقَى
فِي جَوازَات سَفرٍ مُزوَّرَة …
أنَا اللَّا صُورَة لِظِلِّي
اللَّا ظِلَّ لِجَسَدِي
اللَّا جَسَدَ لِصَوتِي الخَفِيِّ
التَّائِهِ فِي صَخَبِ غِيَابَاتٍ مُكرَّرَةٍ
تَسحَقُ مَا تَبَقَّي مِن لُغَةٍ حَيَّةٍ …
فِي مَنفَى مُلقَّمٍ بِالبَارُودِ
يَصرَعُ مَنفَى مِن كَلِمَات
بِطلقَةٍ وَاحِدَة …
أقِفُ أمَامَ الرُّخَامِ
مُثقَلاً بِكُلِّ مَا فِيَّ مِن هَزَائِم
وانكِسَارَاتٍ مُرمَّمَةٍ
بِأضلُعٍ من وَرَق …
وتِيهٍ يُشبِهُ بَلطَةَ حَطَّابٍ
وهَذيانَاتٍ صَاخِبَة …
أحَاوِلُ استِعَادَةَ مَا تَيَسَّر
مِن صُورٍ قَدِيمَةٍ لَم تُتلِفها الحُروبُ
والمَسافَاتِ الشَّائِكَة …
وأبتَسِمُ مُجدَّداً …
رُغمَ خَرَابِ الوَقتِ
والجُغرَافيَا
والجَسَد …
لِوَجهِك الحَيِّ فِي الذَّاكِرَة