أنا و بيبو
محمد سعيد
كان أول حلم، نتج عن شرارة الاحتكاك بحجارة الواقع السحرية، وأول رغبة، وإن لم تكن ذات عمق كبير !، علي الرغم من أصالتها وشرعيتها ودلالاتها الرمزية، الانضمام لفريق الناشئين بالنادي الأهلي،النادي الكبير شكلا وموضوعا، ولكي أصبح،فيما بعد، واحداً من الأساسيين في الفريق الأول،ومن ثم الفريق القومي، ثم بأتي بعد ذلك، الحذاء الذهبي!
وكان لعب الكرة في الشارع، ومشاهدة بطولة الأمم الأفريقية والدوري في التليفزيون بمثابة الغذاء الروحي والعقلي الذي نمت فيه تلك التطلعات الصبيانية، وهي منطقية ومحورية إذا ما قيست بمهارة وحب وشهرة لاعب مثل الخطيب (بيبو)في ذلك الوقت، بالإضافة إلى زخم العرض الإعلامي السخي متمثلاً في إعلانات من عينة .. العب يا لورد …بالطول والعرض ، أو …تخلص من حمامك القديم، إلي إعلانات الشامبو الذي قامت به الممثلة الأمريكية الشهيرة فرح فاوست!.
كانت الحياة في ثمانينيات القرن الماضي بهية ومبهرة بشكل كبير ومؤثر، علي الأقل في عين الصبي الذي كنت. وفي لقطة طويلة،ومن زاوية منخفضة، يبدو مسجد سيدي العوام الشهير بمئذنته التاريخية شامخاً متحدياً المجهول، أمام حوارنا الإستثنائي النادر والهاديء، علي رمال شاطئ العوام الناعمة، وتحت مظلة شمس شتوية دافئة، وفي حضن البحر ، بحت له برغبتي تلك، متمنياً، ومعتمدا عليه في تحقيق تلك الأمنية، الهجرة من مطروح إلي العاصمة لإحتراف الكرة، ولما لا؟ فهو أخي الأكبر بحكم الطبيعة والقدر !، فما كان منه إلا نظرة وإلتفاته حنون تلقائية عفوية صامتة وبريئة من جسده كله ،تشي بالمسئولية والحلم مرة ثانية!، علي الرغم من حداثة سنه، وعدم بلوغه بعد سن الجامعة،وهو ما كنت أنظر إليه برؤية بعيدة المدي ،ففي حال وصوله ذاك إلي جامعة القاهرة،سوف يكون بمقدوره، حتماً، الوصول إلي بوابة النادي العريق ليدخل ، ثم ليحدثهم، بعد ذلك، عن موهبة أخيه الصغير ،والتي ،ربما، تفوق موهبة بيبو نفسه!، ومن ثم الإنضمام، بدون شروط مسبقة،لقائمة الموهوبين، ولقد وعدني فعلاً . وتتابعت الأحداث وتعاقبت السنون ,وأنا ألعب في الشارع تارة ،والساحة الشعبية تارة أخرى، ولا تخبو أبدا جذوة ذلك الحلم داخلي . ثم إنتقل أخي الأكبر ،في أيام تداخل ليلها في نهارها كما في فيلم روائي طويل ، للدراسة في طنطا،وهو ما لم يكن بإختياره ولا بإختياري، بل كان إختيار مكتب التنسيق! ،ودخلت أنا المدرسة الإعدادية ،ثم مرت فترة طويلة نسبياً ، وعرفت مصر وسمع العالم العربي كله عن نية بيبو الإعتزال ،وترك الساحة لناشئي مصر والأهلي الجدد. وتعبقت الأجواء حينها بحالة من الحزن والقلق، حزن علي خسارة الملاعب لفنان كروي عشقه الكبار والصغار، ونادراً، ما يتكرر، وقلق علي مستقبل الكرة في مصر من بعده ! ،وشعرت حينها أن حلمي ذاك مثل حريق كبير خمدت نيرانه فجأة ولم يتبق منه غير الرماد والعدم !.