همسات.. مع الرسالة 23 لـ”قمر عبد الرحمن”

بقلم: زياد جيوسي
في الرسالة السابقة كانت الكاتبة والشاعرة والاعلامية قمر عبد الرحمن “قمر الأسرى” كما ألقبها تخاطب الأسرى، وفي هذه الرسالة انتقلت لمخاطبة الشهيد والشهداء، ففي ظل الاحتلال والقمع كل مواطن فلسطيني مشروع لشهيد أو أسير، فالبكاد يمر يوم بدون أن تصعد للسماء روح شهيد أو يتم أسر أسير، فهذه ضريبة الوطن من أجل حريته، وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي: “وللحرية الحمراء باب.. بكل يد مضرجة يدق”، تخاطب قمر الشهيد كما لو أنه حي بيننا مع قناعتنا الدينية أن الشهداء أحياء عند الله سبحانه وتعالى: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”..
منذ بداية النص وفي خمس لوحات مرسومة بالكلمات وملونة بلون الدم وبريشة الرصاص كان التحدي في اللوحة الأولى هو الوقفة للشهيد أمام الأعداء والمحتلين: “تحدوك، في أن تقدم شيئا للوطن”، فوقف وقفة الرجال أمام صلف الاحتلال والذي ظن أنه أنهى الشعب في فلسطين، فقدم الشهيد دمه في تحدٍ للاحتلال وهمست قمر في حواريتها مع الشهيد: ” فقدّمت دمَك! “، وهل أغلى من الحياة والروح والدم أن تقدم من أجل الوطن؟ وبدون اهتمام بتقديم البراهين أن الأرض لنا وستعود فـ “لا أحد يستحق البرهان..”، والأرض كما تهمس قمر للشهيد” فالأرض؛ تعيش داخلك! “.
في اللوحة الثانية تبدأ قمر برحلة الاستعادة والإستدراك للأحداث منذ البداية والتي جعلت الشهيد يقدم روحه ودمه، فالعملية تراكمية وكثرة الضغط تولد الإنفجار، وحسب القانون الفيزيائي فالتراكمات الكمية تؤدي إلى تغيرات نوعية، فقمر تخاطب الشهيد كممثل للشرفاء والأحرار في شعب بأكمله أجبر على اللجوء والنزوح والتشتت من أجل أن ينسى الوطن فتهمس له مع اشارة الإستفهام:” أجبروك على اللّجوء، وعلى تمزيق الفكرة”، فشخصت الوضع بدقة بتصرف الشهيد ” فلجأت لذاتك.. لحبّك الصّادق” وكان القرار.. قرار الأحرار “سأكون أعلى شأنًا..”، والشهداء أكرم منا جميعا، فالشهيد يقدم دمه وهو يصرخ بقوة: “وأنا تحت التّراب حينما أكون بأحضان أرضي؛ أكون حيًّا، أكون ندًّا”.
وتواصل قمر باللوحة الثالثة رواية حكاية شعب وما مر به من مراحل، فبعد التشتيت واللجوء والنزوح والقرار بالثورة يمر البعض بمرحلة الأسر بكل قسوتها والتي بينتها الكاتبة في النص السابق، فتصف بعض من ظن الأعداء حين يضعون الإنسان المناضل في ظروف ليست بالسهلة بقسوتها وهم يظنون أنهم يحطمون الإرادة فتهمس: “أسروك، واعتقدوا أنّك كالورق الأصفر، ستسقط لا محالة”، بتشبيه جميل بأوراق الشجر التي تصبح صفراء وتتساقط في الخريف، لكنهم لم يفهموا أن الأوراق تذبل وتتساقط ولكن الجذور تبقى راسخة في الأرض لا تؤثر عليها الفصول بل تزداد قوة وتجذرا، وهكذا المناضل وهكذا الأحرار فتهمس الكاتبة بما تراه: “فجابهت البرد، وعانقت الغصن” دون أي سلاح سوى الإيمان والإرادة “وحطّمت بإرادتك اشتباك الرّيح!!”.
في اللوحة الرابعة تنتقل الكاتبة إلى مرحلة جديدة وهي مرحلة الجراح في مواجهة الأعداء فتهمس للشهيد عندما كان جريحا والدماء تنزف وتروي الأرض فتنبت قمح وزنابق فتقول: “جرحوك، وتبنّى الشّفق دمَك”، فالجرح يذوي ” كالشّمس بعد الغروب”، فالشمس تغيب استعداد لفجر جديد وحياة جديدة، وكذلك حياة الانسان المناضل حين يجرح في القتال فتخرج روحه صاعدة للسماء، لأن “الجرح: هو الوجه الآخر للموت الشّباب”، وحين يحضر الموت يتوقف الألم من الجرح لأن “الموت يطوي الجميعَ بهدوء!”، ولكن موت الشهيد يختلف فدماؤه تشعل الأرض من بعده وتنبت القمح والنرجس، والمحتل لم يجد جثة شهيد بل كما تصفه قمر ” وجَدُوك لهبًا تتمدّد على رماد”.
في اللوحة الخامسة تنقلنا بعد هذه الاستعادة لمراحل الحياة لأنموذج الشهيد من شعب مرابط فتهمس قمر له: “جعلوك.. تقتات عنفوان الأيّام بالصّبر على الآلام”، وهذا الصبر أعطاه النتيجة: “حتّى وقعت في هِبة القدر.. ” فالشهادة هي الهِبة والجنة هي الحياة الجديدة له فتكمل همسها للشهيد “فأنت جديرٌ بحياتك الجديدة”، وفي الدنيا يبقى الشهيد “فخر القلم.. شهيدٌ في قصيدة” فهم يظنونه مات ولكنه حي مع الشهداء عند ربهم يرزقون، وفي الدنيا يبقى دم الشهيد يانع زكي الرائحة التي تشد القوافل من بعده لمواصلة المسيرة، وتخلده الأقلام كلمات وقصائد.

رسالة إلى الشّهيد
تحدّوك
في أن تقدّم شيئًا للوطن..
فقدّمت دمَك!
لا أحد يستحق البرهان..
فالأرض؛ تعيش داخلك!

أجبروك على اللّجوء، وعلى تمزيق الفكرة،
وتصديق الأكاذيب الفاضلة!
فلجأت لذاتك.. لحبّك الصّادق، وقلت:
سأكون أعلى شأنًا..
وأنا تحت التّراب حينما أكون بأحضان أرضي؛
أكون حيًّا
أكون ندًّا

أسروك-
واعتقدوا أنّك كالورق الأصفر،
ستسقط لا محالة،
فجابهت البرد، وعانقت الغصن،
وحطّمت بإرادتك اشتباك الرّيح!!

جرحوك
وتبنّى الشّفق دمَك،
ذوى كالشّمس بعد الغروب
الجرح: هو الوجه الآخر للموت الشّباب
والموت يطوي الجميعَ بهدوء!
وجَدُوك لهبًا تتمدّد على رماد

جعلوك
– تقتات عنفوان الأيّام بالصّبر على الآلام
حتّى وقعت في هِبة القدر..
فأنت جديرٌ بحياتك الجديدة
وفخر القلم.. شهيدٌ في قصيدة.