رؤى استراتيجية: فلسطين 2022
بقلم: هاني المصري
يعتزم مركز مسارات لأبحاث السياسات تنظيم مؤتمره السنوي الحادي عشر، يومي السبت والأحد القادمين، تحت عنوان “رؤى إستراتيجية: فلسطين 2022″؛ حيث سيركز على دراسة التحوّلات المحلية والإسرائيلية والإقليمية والدولية وانعكاساتها على القضية الفلسطينية، بمشاركة مجموعة من المفكرين والخبراء والأكاديميين والباحثين من داخل فلسطين وخارجها.
ينطلق المؤتمر من تحليل مؤشرات الوضع الراهن في العام 2022، على المستويات المحلية والإسرائيلية والإقليمية والدولية، وتأثيراتها في الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، ليقدم رؤى استشرافية لسيرورتها خلال العام 2023، وما تنطوي عليه من تحديات وفرص، وتقديم توصيات سياساتية، على أمل أن تساهم في حدوث عملية التغيير التي يحتاج إليها الوضع الفلسطيني، وبالتالي في عملية صناعة القرار على المستوى الفلسطيني.
وسيُعرض في المؤتمر تقريرٌ إستراتيجيٌّ من إعداد لجنة السياسات في مركز مسارات. وسيتوقف التقرير أمام الحرب الأوكرانية وتداعياتها وتأثيراتها في القضية الفلسطينية، والمعايير المزدوجة ما بين احتلال فلسطين وما يجري في أوكرانيا، وسيناريوهات الحرب، وقضية تايوان، إضافة إلى تأثير الحرب في ملفات دولية أخرى.
وسيتطرق التقرير إلى قمة “لم الشمل” العربية، وهل لمت الشمل، أم كانت قمة عادية في زمن غير عادي، إضافة إلى اتفاق ترسيم الحدود المائية اللبنانية الإسرائيلية، وهل يشكل بداية مرحلة جديدة، وعودة سوريا البطيئة للعب دورها السابق، وكذلك التغيّر في العلاقات الأميركية الخليجية، وهل هو انقلاب أم مجرد تنويع التحالفات، فضلًا عن السيولة وتنويع العلاقات بوصفهما سمتين تميّزان العلاقات الدولية.
وعلى الصعيد الإسرائيلي، تناول التقرير نتائج الانتخابات الأخيرة، وتداعياتها على القضية الفلسطينية، إضافة إلى أسباب التحوّلات الجارية في إسرائيل، موضحًا أن إسرائيل تجسيدٌ لمشروع استيطاني استعماري إحلالي يستخدم الاحتلال والعدوان والفصل العنصري لتحقيق أهدافه؛ حيث لا ينفع أخذ عنصر واحد من مصادره، كالفصل العنصري أو الأبارتهايد، وإغفال العنصر الجوهري بوصفه تجسيدًا لمشروع استعماري استيطاني عنصري.
أما على الصعيد الفلسطيني، فتناول التقرير عناوين عدة، ومنها: السلطة بين الانهيار والحل والتغيير، وسياسة القيادة الرسمية وانتقالها إلى إستراتيجية تدويل الحل واستمرار التنسيق الأمني، والتلويح بالمقاومة الشعبية والتعاطي عمليًا مع “السلام الاقتصادي”. وتوقف أمام تصعيد المقاومة في هذا العام وظاهرة الكتائب، وهل هي قيادة بديلة أم فصائلية جديدة أم ماذا؟ وما المقاومة المثمرة أكثر من غيرها، إضافة إلى شرح أسباب عدم تحوّل الموجات والهبات إلى انتفاضة شاملة. كما عرّج التقرير على حركة فتح والمؤتمر الثامن والخلافة، وحركة حماس والتذبذب ما بين المشاركة والمغالبة، فضلًا عن تشخيص واقع اليسار، وهل يتجاوز المأزق؟.
وسيتوزع المؤتمر على جلسات عدة تحت عناوين مختلفة؛ حيث ستتناول الجلسة الأولى خطتي حركتي فتح وحماس لإنهاء الانقسام، بينما ستُعرض خلال الجلستين الثانية والثالثة ثماني أوراق مرجعية أعدّها خبراء وأكاديميون وباحثون تتناول مستقبل منظمة التحرير في سياق إعادة هندسة السلطة، وتحولات سلطة “حماس” وإعادة إنتاج احتكار الحكم ومصادر القوة، وتجربة اليسار … الإخفاقات وآفاق التوحيد، والحراكات وآفاق التغيير وبناء التيار الوطني، والإستراتيجية الإسرائيلية تجاه الضفة والقطاع، وفلسطينيو أراضي 48 ومأزق التمثيل، وتحولات الفعل الشعبي بعد هبة أيار 2021، بينما ستتناول الجلسة الرابعة المتغيرات الإقليمية والدولية وتأثيرها في القضية الفلسطينية، بمشاركة متحدثين فلسطينيين وعرب. أما الجلسة الخامسة فستركز على حق تقرير المصير والجدل ما بين الأبارتهايد والاستعمار الاستيطاني، وستتطرق إلى ما الغائب في الخطاب الفلسطيني، إضافة إلى آفاق التضييق على عمل المؤسسات الحقوقية والأهلية في المرحلة الجديدة.
كما سيشهد اليوم الثاني الجلستين السادسة والسابعة اللتين ستخصصان للتعقيب على التقرير الإستراتيجي “التحوّلات المحليّة والإقليميّة والدوليّة وانعكاساتها على القضيّة الفلسطينيّة”، بمشاركة 11 شخصية من السياسيين والأكاديميين والباحثين من الجنسين من مختلف التجمعات.
ويختم المؤتمر بطاولة مستديرة حول المبادرات والحراكات المطروحة للخروج من المأزق، وستتناول خمس مبادرات وحراكات، ستقدم رؤيتها للخروج من المأزق، وهي: مبادرة الإنقاذ الوطني، والمؤتمر الشعبي الفلسطيني 14 مليون، ومؤتمر فلسطينيي الخارج، وحركة الشباب الفلسطيني، والمسار البديل.
يعدّ المؤتمر فرصة للحوار وتبادل الرأي في القضايا المحورية والساخنة، على أمل أن يساهم في بلورة بعض ملامح الرؤية الشاملة القادرة على إنقاذ القضية الفلسطينية من المأزق العميق الذي تمر به، وبما يساعد على إحياء المشروع الوطني والمؤسسة الوطنية الجامعة، وتبني إستراتيجيات جديدة وقيادة واحدة مسلحة بالوعي، وتملك الإرادة اللازمة لمواجهة التحديات والمخاطر الوجودية، وتوظيف الفرص المتاحة.
إن أكثر ما عانته الحركة الوطنية الفلسطينية أنها لا تراجع تجاربها السابقة مراجعة عميقة وتستخلص الدروس والعبر؛ لكي تبقي على ما هو جيد وإيجابي ويقويها، وتتخلص مما هو سلبي ويحبطها، فهناك العديد من الإنجازات والمكاسب التي لا بد من الحفاظ عليها وتعزيزها، أهمها بقاء القضية حية، واستمرار تشبث نصف الشعب الفلسطيني على أرض الوطن، وتمسك الشعب بحقوقه واستعداده لمواصلة الصمود والمقاومة بجميع أشكالها لتحقيق أهدافه مهما طال الزمن وغلت التضحيات.
وهناك العديد من الإخفاقات والخسائر، أهمها أن المشروع الصهيوني تقدم كثيرًا على طريق تحقيق أهدافه بإقامة “إسرائيل الكبرى”، ويسعى حثيثًا إلى تصفية القضية الفلسطينية من مختلف أبعادها، وكبّل النظام الفلسطيني بالقيود الغليظة لاتفاق أوسلو؛ ما أوصلنا إلى وضع أصبحت فيه المنظمة مجمدة والسلطة تتحكم فيها، والسلطة أقل من سلطة حكم ذاتي تقوم بوظيفة إدارية خدمية مقابل توفير الأمن للاحتلال من دون أي أفق سياسي، فالسقف المسموح للسلطة أن تعمل تحته أمني اقتصادي من دون حتى وعود أو آفاق بتحقيق أي حق من الحقوق الفلسطينية.
إن الحركة الوطنية الفلسطينية شاخت وترهلت وتقادمت، وتعجز عن التصدي للمهمات المطروحة عليها؛ لأنها لا تقوم بالتغيير والتجديد المستمر اللذين تفرضهما التغيرات والتطورات والمستجدات والحقائق والخبرات الجديدة والمستفادة، وضرورة ضخ دماء وأفكار وطاقات جديدة في شرايينها؛ لذلك بقي القديم على قدمه، ولم يستطع مواكبة التغييرات الهائلة، التي تحدث في منطقتنا والعالم؛ ما أدى إلى وضع كارثي لا يستطيع إنقاذ القضية الفلسطينية منه سوى أفكار ومبادرات جريئة، وتغيير في الفكر والأداء، وإعادة بناء المؤسسات الوطنية لتصبح في مستوى التحديات والمخاطر، وقادرة على تلبية الحاجات والأولويات والمصالح الفلسطينية العليا.