سرّ الأسرارِ بذيلِ حِمَارْ
شعر: د. عزالدين أبوميزر
قَد قَالَ الرّاوي يَا سَادَةْ
وبظَنّي أنّ الكُلّ كِرَامْ
فِي يَومٍ كَانَ مِنَ الأيّامْ
يُروَى عنْ رَجُلٍ أنّ لَهُ
فِي القُدسِ حِمَارْ
مَقطُوعَ الذّيْلْ
بَينَهُمَا وُدٌّ فَاقَ الوَصفْ
وَعَلَاقَةُ حُبّ وَصَدَاقَةْ
مَا طَرأ عَلَيْهَا يَومًا ضَعفْ
بَلْ كَانَت تَزدَادُ رَشَاقَةْ
وَبِوَقتِ الرّاحَةِ يَنفَرِدَانْ
وَيَدُورُ حَدِيثٌ بَينَهُمَا
وَيَكُونُ حِوَارْ
وَالنّاسُ تُراقِبُ مَا يَجرِي
وَبِكُلّ فُضُولٍ عَالِي السَّقفْ
تَتَحَرّى الأمْرْ
وَالغيرَةُ تَأكُلُ بَعضًا مِنْهُم
وَالبَشَرُ يَغَارْ
وَالنّاسُ تَقُولُ هُنَالِكَ سٍرّْ
وَالرّجلُ لَدَيهِ مَا يُخفِيهْ
وَعَلَيهِ لَنَا بِالسّرّ يُقِرّْ
وَمِنَ الضّفّةِ جَاءَ رِجَالْ
وَرِجَالٌ جَاءُوا مِن غَزةْ
وَاتُّخِذَ قَرَارْ
أنْ يُرسَلَ مِنهُم وَفدْ
يَبْدَأُ بِسُؤالْ
أحِمَارُكَ هَذَا هُوَ أبْتَرْ ؟
أمْ كانَ لَهُ ذَيلٌ مِن قَبلْ ؟
وَكَلَامٌ بَعدُ يَجُرّ كَلَامْ
وَكَذلِكَ يُبْدَأ كُلّ مَقَامْ
ولكلّ مَقَامٍ بعدُ مَقَالْ
وَبِيَومِ الجُمُعَةِ كَانَ لِقَاءْ
وَالوَفدُ أتَى لَهُمُ بِالرّدّْ
وَبِزُبدَةِ قَوْلْ :
لَكِنْ بِغُمُوضٍ مُتَعَمّدْ
وَبِأدَبِ العَارِفِ لَا المُتَعَالْ
إذْ قَالَ الرّجُلُ الحَقّ يُقَالْ :
سِرّ الأسرَارْ
أخفَاهُ اللهُ بِذَيْلِ حِمَارْ
وَالسّرّ بِهِ سِرٌ أعجَبْ
لَا أحَدٌ مِنكُم يَتَعَجّبْ
وَأخَافُ أبُوحُ بِهَذَا السّرّْ
إنْ بُحتُ بِهِ مَنْ يَسمَعُهُ
يَنقَلِبُ حِمَارْ
وَإذَا أصرَرتُم فَاجتَمِعُوا
مِن رَأسِ الهَرمِ لأسفَلِهِ
لَا أحَدٌ مِنكُم يَتَخَلّفْ
مَن يَحيَا فِي خَارِجِ وَطَنِي
أو مَأسُورٌ فِي دَاخِلِهِ
لِأقُولَ السّرّ بِكَامِلِه
لا أنسَى مِنهُ أبَدًا حَرفْ
وَنَصِيرُ جَمِيعًا نَحنُ حَمِيرْ
أو رَبّي فِينَا يَتَلَطّفْ
وَيَصِيرُ الأعمَى بَعدُ بَصِيرْ
قَالُوا صَعَّبتَ عَلَينَا الأمْرْ
بُحْ أنتَ نَكُنْ نَحنُ الآذانْ
وَلِكُلّ مِنّا ألفُ لِسَانْ
وَسَيَصِل الخَبَرُ لِكلّ مَكَانْ
أسرَعَ مِن بَرقِ سَمَاءِ الأرضْ
أوْ نَسْرٍ مِن جَوٍّ يَنقَضّْ
فَقُلُوبُ النّاسِ تَلَظّى نَارْ
فَاعتَدَلَ الرّجلُ بِجِلسَتِهِ
وَبِلُطفٍ مَرّ بِلِحيَتِهِ
وَتَنحَنحَ قَبلَ البدءِ وَقَالْ :
قِصّتُنَا بَدَأت بِإوَزّةْ
أحبَبتُ بِيومٍ أشوِيهَا
عِندَ الفَرّانْ
وَرَآهَا القَاضِي مَشوٍيّةْ
تَتَفتّقِ بالدّهنِ طَرِيّةْ
وَالشّهوَةُ تَتبَعُهَا شَهوَةْ
وَالجُبّةُ تَحتَاجُ لِعِمّةْ
وَالعِمّةُ تَلزَمُهَا لَفّةْ
تَتَمَخّضُ دَومًا عَن فَتوَى
يَمهَرُهَا المُفتِي باسمِ اللهْ
الأحَدِ الصّمّدِ عَظيمِ الجَاهْ
وَحَرَامُ اللهِ يَظَلّ حَرَامْ
وَالكُلّ هُنَا فِي الحِلّ يَنَامْ
وَلِذَلِكَ نَحنُ نَخَافُ اللهْ
والقَاضِي قد أجمَلَ فَتوَاهْ
إنْ صَاحِبُ وَزّتِنَا قَد جَاءْ
قُلْ رَبُّكَ قَد أحيَا الوَزّةْ
أخرَجَهَا مِن نَارٍ تُسْعَرْ
وَاللهُ لنَا قَد ضَرَبَ مَثَلْ
فِي نَارٍ سُعِرَت بِابرَاهِيمَ
ورَبّكَ مِنهَا قَد نجَّاهْ
وَأراه كَيفَ سَيُحيِي الطَيرْ
مِن فَوقِ جَبَلْ
وَالوَحيُ بِمَا قَد قُلتُ نَزَلْ
وَتَلَا الفَرّانُ عليّ القَولْ
وَالقَاضِي شَبِعَ وَمَلَأ الكَرشْ
وَالوَالِي ذُو السلطةِ وَالعَرشْ
لَم يَجِدُوا بَينَ يَدَيهِ السّوطْ
كَي يَجلِدَ مَن كَانَ بَرِيئًا
وَعَلَيهِ قَد قَبَضَ العَسكَرْ
فِي لَحظَةِ كُنتُ هُنَاكَ أمُرّْ
أمْسَكَ أحَدُ الحَرسِ حِمَارٍي
وَبِخِنجَرِهِ قَطَعَ الذّيلْ
وَبِهِ جَلَدَ بَرِيءَ الحَاكِم
حَتى مَاتْ
وَكَبَاقِى وَطَني َما أحَدٌ
عَنهُ استَفسَرْ
أوْ كَانَ سَأَلْ
أوْ بِالصّدفَةِ فُتِحَ مَلَفّ
وَالذَيْلُ مَعِي وَبِذَا يَشهَدْ
مِن بَعدِ الحَارِسِ أنْ ألقَاهْ
وَانقَلَبَ الذّيلُ إلَى أفعَى
وَعَلَيّ أنَا أقبَلَ يَسعَى
هَذِي قِصّتُنَا كَامِلَةً
مِن شَاطِىءِ يَافَا حَتّى النّهْرْ
مَنْ مِنّا مُوسَى وَمَنِ الخِضْرْ
هَل أحَدٌ مِنكُمْ فَهِمَ السّرِّ