فكر

دور الإصلاح والمصلحين في تقويم مسار الحياة

د. عادل جبار الربيعي |  أكاديمي من العراق
«إني لم أخرج أشرًا ولا بطرا ولا مفسدا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي»
الإمام الحسين عليه السلام

يمكن تعريف الاصلاح على انه هو إزالة الخلل والفساد الطارئ على الشيء» والإصلاح هو: «إرجاع الشيء إلى حالة اعتداله بإزالة ما طرأ عليه من الفساد» وكل هذه التعريفات تدور حول معنى إزالة الفساد الذي يطرأ على الشيء، وإعادته إلى ما كان عليه من الصلاح والاعتدال والنفع.
حكاية الإصلاح بدأت منذ أن رأى أبناء آدم النور ولعل بذرة الفساد تم زرعها في قلب قابيل لتبدأ الرحلة التي لن تنتهي. رحلة الخير والشر ورحلة الإصلاح والفساد {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ}؛ فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله وهكذا سجلت أول جولة للصراع في حلبة الحياة بين الخير والشر. تلتها صولات وجولات وإلى يومنا هذا؛ ففي كل زمان يظهر الأنبياء والمرسلين والأوصياء والأئمة والصالحون والثوار ويدعون إلى طلب الإصلاح فيواجهون ذات المصير الذي لقيه جدهم هابيل والقائمة تطول.
إن من أسباب سعادة الإنسانية وجود المصحلين. قال تعالى:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} وإن مقتضى وجود المصلح هو فرار الظلم، وهو ما فهمه الظالم المتجبر لينصب له العداء والقتل, فكل مصلح يقابله مفسد وجنوده وإعلامهم المشوش والمضلل على الأنبياء والمصحلين, فهذا نبي الله إبراهيم عليه السلام الموحد الحنيف أرادو إحراقه فجعلت النار بردا وسلاما, وهذا شعيب عليه السلام يلاقي الأذى والتهديد من قومه المستكبرين قال تعالى: (قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك ياشعيب والذين امنوا معك…), وكذلك لوط عليه السلام يحكم عليه السفهاء بإخراجه والسبب طهارته وعفته قال تعالى: (أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أُناس يتطهرون), وكذا باقي الأنبياء والمصلحين من أنبياء الله؛ موسى وعيسى عليهم السلام والنبي محمد (ص)، وهو يقول (ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت)؛ إذن فطريق الإصلاح والمصلحين وعر, وفيه منعطفات كثيرة قد تؤدي إلى موته لما يحمله من قيم ومباديء تنجي اإانسانية من العبودية الصنمية والعقلية المغلقة إلى التوحيد والانفتاح بروحية انسانية الفطرة النقية .
ولم تقتصر هذه القائمة على أهل الدين فقط بل تعدتها إلى كافة البشرية وما مصير. غاندي ولا جيفارا ولا مارتن لوثر كنك ولا الكثير من اللذين كانت نهاياتهم معروفة ونبل غاياتهم أشهر من نار على علم فهم من تركو مباهج الحياة الى عوالم مجهولة
إن الإصلاح والتغيير غالبا ما يصاحبه إعادة النظر في المكتسبات التي تحصل عليها الناس ولا يرغبون في التخلي عنها تحت أي ظرف. ولذلك فإن من سنن الحياة أن محاولات الإصلاح غالبا ما تتلاقاها الناس بالرفض والمعارضة وهذه حالة طبيعية. وفي هذا المعنى يقول إيدي فوجييه خبير الشؤون السياسية المتخصص في حركات الاحتجاج والباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في زماننا اليوم، تؤدي الإصلاحات إلى الشعور بفقدان شيء ما” وقد ورد كلام إيدي فوجييه في معرض حديثه عن موضوع يشغل بال الساسة والمفكرين في فرنسا وهو كون المجتمع الفرنسي عصيا على التغيير والإصلاح. وحجة المدافعين عن هذه الفكرة أن الفرنسيين أكثر المجتمعات تعاطيا مع الإضرابات حتى صاروا بذلك مضرب المثل في المجتمعات الأخرى. وعلى النقيض من ذلك يرى بعضهم أن الأمر يتعلق بطبيعة التغييرات والإصلاحات المرجوة. يقول غاندي (في البدء يتجاهلونك، ثم يسخرون منك، ثم يحاربونك، ثم تنتصر)،، وهذا القانون يؤكد على أن هناك قناعة من المصلح بأنه سوف يحارب من قبل الغالبية التي تعشعش على الفساد وسينتصر عليهم ماديا أو معنويا حتما وهذا ديدن الثوار. وقد ذهب جيفارا بعيدا فقال (لا تصمت عن الحق وسترى كيف يكرهك الجميع) وفي هذا إشارة ومرارة على أن أهل الحق هم القلة القليلة {لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}.
وهنا سندخل في تساؤلات كثيرة وأهمها بأن الله سبحانه يعلم بحجم حب الإنسان لنفسه والسير نحو ملذاته ومكتسباته وإنه ميال للاستحواذ على أكبر قدر من الامتيازات التي تضمن له العيش الرغيد في حياة يعتقد بأنه دائمة ولذلك يفعل كل مابوسعه للحفاظ عليها فيرسل الأنبياء والمصلحين ويهديهم سبيل الرشاد حيث يتجرد المصلح من هذه الأنانية بعد أن يرتقي بإنسانيته ليفكر بالمستضعفين من قومه وهنا تكون المعركة مع الجهات الحاكمة التي تغرق لهاماتها بالترف والملذات
إن من أهم صفات المصلح أن يكون من الأحرار وينبذ العبودية وهي الأساس التي يبني عليها الطغاة صروحهم لاضطهاد الناس.
ويقول آرثر كتك: (التراجيديا الكبرى ليست الاضطهاد والعنف الذى يرتكبه الأشرار، بل صمت الأخيار على ذلك)؛ ولهذا تصدح أفواه المصلحين الثوار في أعلى معاني للحرية وأسماها ومن أجل كرامة الإنسان وعزته لأن التخلص من العبودية هو بداية الطريق.. يقول الإمام الحسين عليه السلام (إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم)، ويبقى دور المصلح الحقيقي في نبذ الفساد والظلم وتحرير الإنسان من العبودية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى