فكر

حق المرأة في صنع القرار السياسي

بقلم: عفاف عمورة | برلين
      ما زالت المرأة تعمل بكل ما تملك لأن تقوم بدور قوي وفعَّال في المجتمع، وأن تقوم بمسؤوليتها في المجال السياسي، فهي مثلها مثل الرجل، وذلك على مر العصور والأزمان القديمة والحديثة، فهي شاركت بفاعلية كبيرة في كل المجالات، وقد أثبتت قدرتها وكفاءتها في معظم الأدوار التي قامت بها وساهمت في بناء الدولة والمجتمع، فالمراة أصبحت طبيبة ومهندسة ومحامية ووزيرة وملكة، وشاعرة ومدرِّسة ومحاربة وفنانة وغيرها، بالاضافة إلى ما تقوم به يومياً في بناء أسرتها وتربية أولادها .
     في المجال السياسي ما زالت المرأة تسعى جاهدة لتحوذ على المشاركة السياسية وصنع القرار، وهو موضوع جدلي يستحوذ على اهتمام كبار المدافعين عن المراة وعن الديمقراطية والمواطنة، وحقوق الإنسان، بخاصة في بلداننا العربية التي شهدت وما تزال تشهد حراكاً اجتماعياً وسياسياً وعسكرياً حاداً. وهذا يستدعي مشاركة المراة في الفعل السياسي من أجل إرساء الاستقرار والطمأنينة، بما في ذلك الحاجة الماسة لدور المراة التي كان لها حق المشاركة في بعض الاحتجاجات والحراكات الشعبية في البلدان العربية، وتلك البلدان ما زالت تبحث في نزاع عنيف عن إمكانية إحلال الأمن والأمان والطمأنينة والسلام. والتي يجب أن تعتبر المراة بما تملك من طبيعة خاصّة داعية رئيسية فيها للأمن والأمان والسلام. مع العلم أنَّ المرأة هي من دفع الثمن غالياً في تلك الصراعات الدموية على حساب حريتها وكرامتها وتشتت عائلتها. وفقدانها لقدراتها الكبيرة في التأثير بفاعلية في مجريات الأحداث الساخنة التي تساهم في تهميشها واستبعادها، بخاصة وأنها تعرَّضت إلى تراجع كبير وملحوظ لدورها في ظل التحجر الفكري والتطرف والتقاليد الاجتماعية البالية .
   لم تستسلم المرأة، بل بقيت مندفعة بقوة لتحقيق مشاركتها السياسية، لكنها لم تتمكن من إحراز تقدم واضح في هذا المجال. على الرغم من حالات التقدم والتطور التي شهدتها العديد من بلداننا العربية، وتطور المؤسسات والهيئات والإدارات في الدولة، والتي لا يمكن إغفالها، فهناك من يعترف بدور المراة السياسي من خلال مشاركتها في بعض الهيئات والمجالس، وكذلك في البرلمانات وبعض الوزارات والإدارات، وبدأت تلك الدوائر تفسح المجال لها ولو بصورة نخبوية ورمزية. وهذا ما يدفع المرأة لأن تتقدَّم كونها تملك طاقات وقدرات في التأثير في الحياة الحزبية والسياسية ومؤسسات المجتمع المدني. وهي التي ساهمت وما زالت تساهم في الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في المجتمعات العربية. كونها تمثل نصف المجتمع .
     ونتيجة للنضالات المستمرة من أجل تحقيق وجودها الإنساني والاجتماعي والسياسي، فقد عقدت الأمم المتحدة مؤتمراً عالمياً هو الأول من نوعه المعني بالمرأة في مكسيكو سيتي بالمكسيك ليتزامن مع السنة الدولية للمرأة عام 1975م، وقد تم عقده للتأكيد وتذكير المجتمع الدولي بأن التمييز ضد المرأة لا يزال يمثل مشكلة كبيرة مستمرة في كثير من أنحاء العالم. كما عقد مؤتمراً آخر حول المرأة أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة بين الأعوام (1976 ـ 1985) بهدف بذل الجهود لتعزيز النهوض بالمرأة ،وفتح حوار جاد بشأن المساواة بين الجنسين، والقضاء على التمييز بينهما، وإدماج المرأة ومشاركتها الفاعلة في التنمية كونها تساهم في تعزيز السلام العالمي .كما انعقد المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة في بيجين ـ الصين ما بين (4 ـ 15) أيلول عام 1995 م وهو من أهم المؤتمرات الأربعة المعنية بالمرأة لأنه بني على أسس سياسية بالدرجة الأولى الذي يهدف إلى ضمان المساواة بين المرأة والرجل في القانون والممارسة. وقد وضع خطة عمل لتمكين المرأة والذي يُعتبر الآن وثيقة سياسة عالمية رئيسية بشأن المساواة بين الجنسين. وقد حدَّدت أهدافًا وإجراءات استراتيجية للنهوض بالمرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين في 12 مجال اهتمام بالغ الأهمية:حول المرأة والفقر، وتعليمها وتدريبها، والاهتمام بالمرأة والصحة. كما بحث في مجال العنف ضد المرأة، والمرأة والاقتصاد ، والمرأة والنزاع المسلح ، والمرأة في السلطة وصنع القرار، وحقوق الإنسان للمرأة، والمرأة والبيئة، والآلية المؤسسية للنهوض بالمرأة، والمرأة ووسائل الإعلام، والطفلة .
       هذا المؤتمر الذي تداعت العديد من الدول والمنظمات الدولية لعقده من أجل الدفاع عن المراة وعن أدوارها التي يمكن أن تحقق من خلالها عملية التوازن في جميع المجالات. حيث أقرَّ بضرورة مشاركة المرأة في العمليات السياسية وصنع القرار، وتولي المناصب السياسية. والتزمت العديد من الدول بقرارات مؤتمر بيجين. لكن في وطننا العربي ما زال وضع المرأة مقارنة بباقي دول العالم أقل بكثير من إمكانية تحقيق طموحها في الوصول إلى المناصب القيادية السياسية والمشاركة بقوة في صنع القرار سواء من جهة تمثيل المرأة في السلطات الأساسية في الدولة: التشريعية والتنفيذية والقضائية. ففي بلداننا العربية نجد أنَّ تمثيل المرأة في المجالس النيابية أدنى من النسب على مستوى البرلمانات العالمية، مع الأخذ في الاعتبار التفاوت الكبير فيما بين بلداننا العربية في هذا المجال. بعض البلدان لا تسمح بتولي المرأة فيها مناصب قضائية، وبلدان أخرى لم تصل المرأة إلى منصب القضاء فيها إلَّا مدّة قريبة. كذلك أن عدد اللواتي يشغلن مناصب وزارية محدودة للغاية، وفي حقيقة الأمر أن بعض أصحاب القرار في الدول العربية يتركون بعض الوزارات وتحديداً الوزارات غير السيادية لكي تشغلها المرأة، ناهيك عن شبه انعدام حصولها على مناصب المحافظين، وفي المناصب الأمنية والعسكرية .
     هذا من جهة، من جهة أخرى هناك صعوبات وعقبات كبيرة تعاني منها، وعلى المرأة تجاوزها إذا ما أرادت خوض العمل السياسي أو العمل العام، ومن هذه الصعوبات وتلك الحواجز المرتبطة بوضع المرأة نفسها من الناحية الاقتصادية، وصعوبات تتعلَّق بالمؤسسة السياسية في الدولة، وحواجز وعقبات ضمن سياق المجتمع وثقافته السائدة، ونظرته إلى المرأة في هذا المجال أو ذاك. وهنا لا بدَّ من التنويه إلى الفرق الكبير ما بين مشاركة المرأة في خوض الانتخابات التشريعية أو المحلية، وبين المراكز والمناصب التنفيذية أو القضائية أو غيرها، التي تتم بالتعيين من قِبَل صنّاع القرار. وحتى العملية الانتخابية فإنَّ المرأة تشارك على قاعدة التنافس بكل أشكالها ما بين الطموح في خدمة البلد والصالح العام، وبين العمل على خدمة المصالح الشخصية في معظم الأحيان. وفي هذا السياق (المنافسة) تحتاج المرأة إلى التمرس على هذه الآلية الخاصة بالانتخابات، لأننا نجد سياقات ميكانيكية في التلاعب بسقف الانفاق المالي للحملات الانتخابية، وهذه القضية لا تجيدها المرأة في أغلب الأحيان. وربما لا تملك المال الكافي لتحقيق وجودها من خلال الحملات الانتخابية. غير متناسين لعملية استخدام النفوذ وتبادل المصالح المادية والسياسية والإعلامية التي تضطر المرأة لمجابهتها ضمن سياقات غير ديمقراطية. حتى أنَّ المجتمع نفسه بحاجة الى توعية خاصة وتثقيف ديموقراطي تبدأ منذ التنشئة الأولى للأجيال بهدف تغيير النظرة النمطية العامة لدور المرأة وقدراتها في صنع القرار، والعمل الجاد في المجال السياسي. هذا بالإضافة الى بعض أنواع الخطاب الديني المظلم والمتطرف الذي يؤثر سلبا على تقبل المرأة في العمل بالشأن العام، ويؤثِّرعلى توجهاتها. بخاصة وأنَّ الخطاب الديني المتطرِّف يؤكد على عدم الثقة بالمرأة كونها (ضلع قاصر) وعليها أن تنساق وراء الرجل ضمن إطار (الرجال قوامون على النساء) كونهم يفسرون الآية الكريمة ويأولونها بشكلٍ خاطئ . بخاصة مع انتشار ثقافة عدم احترام رأيها، إلا وفق مصلحة شخصية للعائلة أو للرجل المتسلط عليها. وهو سلوك اجتماعي يؤكد تحوّل المجتمعات إلى مجتمعاتٍ ذكورية، والنظرة إلى المرأة كونها المتعة، وهذا ازدواج في المعاملة. ليس هذا فحسب بل نجد في بعض الأحيان مواقف سلبية من بعض النساء الذين يدعين لمناصرة المرأة وتأييدها.
     من هنا نحن بحاجة ماسة للتغيير البنيوي في العديد من المفاهيم للمساهمة في مشاركة المرأة بشكلٍ عملي في صنع القرار، وهذا التغيير مرتبط بشكلٍ وثيق بعملية التحوّل الديمقراطي واحترام المفهوم الحقيقي للمواطنة، وحقوق الإنسان وكرامته ،وحقه في العيش الكريم. ومن أجل تغيير الأوضاع الحالية نحن بحاجة ماسّة إلى تشريع قوانين انتخابية أكثر عدلاً وأقل تمييزاً وتحيّزاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى