فكر

إِشْكَالِيَّةُ الإِعْلامِ السِّيَاسِيِّ: وَذَا هَجِيرُ الإفْلاسِ ذَا جَهِيرُ الاِهْتِلاسِ! (3) 

د. آصال أبسال | أكاديمية 

كوبنهاغن (الدنمارك)

    كما جاء في القسم الثاني من هذا المقال، إن ما يجيء به ذلك الكاتبُ الإعلامي «الجزراوي» الرهيبُ، فيصل القاسم، من تقاريرَ تكريريةٍ وتدويرية، بين حينٍ وآخرَ، ليس إلا سردا توفيقيا تلفيقيًّا، أو حتى حَكْيًا ترقيعيا، لتلك الحكاية الشعبية السبية التي ما فتئ يعرِّفها تعريفا حسبما يقتضيه المزاج الصحافي مذَّاك بحكاية «الفلاح والإقطاعي والعنزتين والديك والقرد»، تلك الحكايةِ التي تقبل بكل «مطواعية» إعلامية «جزراوية» أيًّا من تداعيات الجزر حتى قبلَ المدِّ من حيث العدة والعدد والعدِّ (وما فتئت كذلك هذه الصحيفة المأجورة المُسَمَّاةُ اِسمًا لا مُسَمًّى بـ«القدس العربي»، بدورها هي الأخرى، تنشر هكذا تقاريرَ تكريريةً وتدويرية دونما ملل أو كلل ما دام هذا النشر المستمرُّ يروق لأسيادها المموِّلين كلَّ الرَّوْقِ الخليجيِّ من قطر وما أدراك ما قطر).. وبكلِّ حميَّةٍ استكشافية «علميةٍ» بأسلوبٍ سطحيٍّ لا يتعدَّى بالمستوى التعبيري والمعجمي في أحسن تمثيلِهِ حتى أسلوبَ العاديِّين جدا من طلاب المرحلة الثانوية (أو حتى طلاب المرحلة الإعدادية)،يستنتجُ الكاتبُ الإعلامي «الجزراوي» الرهيبُ ذاك، بلا تردُّدٍ ولا تلكُّؤ، عينَ الاستنتاج التحليلي الأرهبِ بأن ما فعله ذاك الإقطاعيُّ المتأبِّهُ والماكرُ مكرًا بكلِّ عَسْفٍ واعْتِسَافٍ مع ذلك الفلاح المستضعَفِ والمستجدي لا يختلفُ البتَّةَ عمَّا كان، وما زال، يفعله أزلامُ أنظمةِ الاستبدادِ والطغيانِ في عالمنا العربي الكئيب من قَمْعٍ وإقمَاعٍ مع كافة الشعوب التي حدثَ لها أن تجرَّأت وثارت على هكذا أنظمةٍ، ابتداءً من سوريا والعراق إلخ، ومرورا بمصر وليبيا إلخ، ووصولا إلى المغرب وتونس في آخر المطاف.. كلُّ هذا الفعلِ التأبُّهيِّ والمَكْرِيِّ قد أتى، من قعرِ المبيتِ، مرتَّبا ترتيبا مقصودا من لدن هؤلاء الأزلامِ، لا لشيءٍ ممَّا يجيئون بهِ من كلِّ أشكالِ القسرِ والقهرِ والتنكيلِ والتقتيلِ إلا لكي تحنَّ هذه الشعوبُ البئيسةُ والتعيسةُ كلَّ الحنينِ وكلَّ الحُنَانِ إلى ما خلا من أيام ذينك الاستبداد والطغيان من جديدٍ (يُنظر، مثلا،ذلك التقريرُ الإعلامي ذو العنوانِ الاستفهامي ذاته: «هل عادت الشعوب العربية إلى حظيرة الطاعة؟»، من إصدار «القدس العربي» يوم 17 أيلول (سبتمبر) 2021؛ ويُنظر، أيضا، فحوى تلك الحلقة الإعلامية «الجزراوية» ذات العنوانِ الاستفهامي على الغرارِ عينِهِ: «هل باتت الشعوب العربية تحن إلى عهود الطواغيت؟»، من إرسال برنامج «الاتجاه المعاكس» يوم 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021)..

وعلى هذا المنوالِ ذاتِهِ، أيضا، ينزل الكاتبُ الإعلاميُّ «الجزراوي» الرهيبُ ساردا وجاردا ما يطفو على سطح الإنباءِ المُسَيَّرِ ذاك من أنباءٍ تخصُّ المَشَاهِدَ الكارثية، إذْ تأزَّمت أيَّمَا تأزُّمٍ في هذا الزمانِ المكفهرِّ بسببٍ من اشتداد ذلك الحدِّ من توحُّشِ أنظمةِ الاستبداد والطغيان بالعينِ (ومن ثمَّ، بسببٍ كذاك مُلازمٍ من اكتلابِ قوى الثوران المضادِّ على كلٍّ من الأصعدةِ المحلية والإقليمية والعالمية بالعينِ عينِها) – ابتداء من سوريا ومرورا بالعراقِ ولبنان واليمن ومصرَ والسودانِ والجزائرِ والمغرب وانتهاء حتى بتونس التي جرى فيها إجهاضُ الثورةِ من لدن عددٍ من الأطرافِ السياسيةِ أوَّلُهَا النظامُ التونسيُّ الراهنُ نفسُهُ، هذا النظامُ الذي ساهمَ إلى حدٍّ كبيرٍ في عودةِ الدولةِ الشُّرَطِيَّةِ والمخابراتيةِ لا لشيءٍ سوى للتنكيلِ التعسُّفي الممنهج بالشعبِ التونسي المحتجِّ لكيما يحلَّ فيهِ المحلُّ الكارثيُّ ذاتُهُ «أسوةً» بما حلَّ في نظرائِهِ من الشعوبِ العربيةِ الآنفةِ الذِّكْرِ ها هنا.. كلُّ هكذا سردٍ بالتِّبَاعِ وكلُّ هكذا جردٍ بالإتْبَاعِ (بعدَمَا أُجْرِيَ تقويمُهُمَا اللسانيُّ والنفسانيُّ، ها هنا، بطبيعةِ الحالِ)، وحالُ الكاتبِ الإعلاميِّ «الجزراوي» الرهيبِ مستمرَّةٌ كلَّ الاستمرارِ في التباكي الإنبائي والإخباري «الجَمُوحِ»، أو هكذا يتبدَّى في المستوى الظاهريِّ وحسبُ، هذا التباكي الذي إنْ دلَّ على شيءٍ، في حميَّةِ هذِهِ الحالِ في حدِّ ذاتِهَا، فإنه لا يدلُّ إلا على دليلٍ أوحدَ واحدٍ، على أدنى تقديرٍ، من دلائلِ مَا يُسمَّى تعريفًا «مقاربيًّا» في علم النفس بـ«الارتقاب التكبيحي» Inhibitory Anticipation، وذلك بمثابةِ دليلٍ نُكُوصِيٍّ إِكْصَاصِيٍّ على ابتغاءِ الحطِّ من قَدْرِ تيك الثوراتِ الشعبيةِ حطًّا واعيًا أو لاواعيًا، أو حتى بمثابةِ دليلٍ انهزاميٍّ انفلاليٍّ على التماسِ التثبيطِ (الكليِّ أو الجزئيِّ)، تثبيطِ العزائمِ في النفوسِ الأبيَّةِ والشَّمَّاءِ الأَنُوفِ تثبيطًا مَنْوِيًّا أو لامَنْوِيًّا، وما إلى ذلك من معنيِّ أو حتى من معنيَّاتِ هكذا دلائلَ انسحابيةٍ «تكبيحيَّةٍ» فعليةٍ. حتى مسألةُ التمهيدِ المقصودِ والمتعمَّدِ للتطبيعِ «الأبراهامي» مع أزلام الكيانِ الصهيوني الإجرامي ذاك لا يقتصر بالإيرادِ العابرِ، هكذا بكلِّ بساطةٍ، على ذاتِ النظامِ المغربي الجائرِ دونَ سواهُ، بل يمتدُّ حتى هذا الحينِ، وفوقَ ذلك كلِّهِ، إلى «سبعةٍ» مُسَبَّعَةٍ بالعدِّ من أنظمةٍ «عربية» استبداديةٍ حتى أشدَّ جَوْرًا وأشدَّ بَغْيًا وامْتِدَاخًا لَيْسَتْ كلُّهَا بالقطعِ الدامغِ من مَهَامِّ الكاتبِ الإعلاميِّ «الجزراوي» الرهيبِ أن يكشفَ النقابَ عن حقائقِهَا كشفًا على الملأ الأدنى، من عينِ النظامِ المغربي ذاتِهِ إلى النظيرِ السوداني إلى قبلهما النظيرينِ الإماراتي والبحريني إلى قبلهما النظيرينِ المصري والأردني وحتى النظير «الفلسطيني» بالذات.. ومَا توقيعُ ذلك الاتفاقِ الهزلي الأخيرِ بين النظامِ اللبناني والكيانِ الصهيوني الإجرامي ذاك على ترسيمِ الحدودِ البحريةِ بين البلدين (وقدِ اخترقتْهُ زوارقُ هذا الأخيرِ مؤخَّرًا)، ما ذلك التوقيعُ الذليلُ المُذِلُّ إلا تمهيدٌ مقصودٌ ومتعمَّدٌ آخَرُ للانجرارِ «الثامنِ» بالعَدِّ ذاتِهِ إلى مذبحِ التطبيعِ «الأبراهامي» ذاك، تمامًا مثلمَا تُجَرُّ البعرانُ صَاغرةً من رقابِهَا إلى مذابحِ تتبيعِ «الضحيَّةِ»..

والأنكى من ذلك كله أن إِشْكَالِيَّةَ الإِعْلامِ السِّيَاسِيِّ ها هنا قد وصلت إلى ذروتها عند «الانتهاء» من سرد هاتيك الأوضاع المتردِّية والمزرية في تيك الدول العربية المعنية كي تكتمل المهزلة التقريرية بالذات.. فما إن أعلن ذلك الكاتبِ الإعلاميِّ «الجزراوي» الرهيبِ عن «اختتام» مراثيه بالوضع الراهن في تونس آنذاك – وقد ظُنَّ كلَّ الظنِّ بنجاتها من شرك «الربيع العربي» في غير مظانِّه بتاتا، إذ «تبخَّرت كل إنجازات الثورة على صعيد الحريات، وعادت تونس إلى حتى ما قبل المربع الأول»، كما يقتبس القول من نظيره التونسي الكاتب الإعلامي محمد كريشان – ما إن أعلن الأولُ ذلك في ذاك الآن حتى صدر التقرير السياسي المضاد إصدارا عاجلا ملحًّا تحت العنوان التنبيهي و/أو الإنذاري التالي: «وقفة احتجاجية وسط العاصمة تونس للمطالبة بإنهاء إجراءات الرئيس قيس سعيِّد الاستثنائية».. وقد كان صدور هكذا تقرير سياسيٍّ مضادٍّ بعاجليَّتِهِ الملحاح تلك قائما قياما مريعًا، وكان الزمان أيَّامَئِذٍ يقترب اقترابا سريعا بزحفه من نهاية العام الماضي، عامِ 2021 تحديدا.. وها نحن الآن في زمان العام الذي كان قد تلاه تلوًّا مباشرا، عامِ 2022 تحديدا كذاك، وقد شارف هذا العامُ بكل ما يحتويه من تَرَحٍ مروَّسٍ ومن «فَرَحٍ» مقوَّسٍ على الانتهاءِ، بدورِهِ هو الآخرُ – حين صارت التقارير السياسية المضادة الأخرى تصدر آنا بعد آن، وبدءًا على نحو أو آخَرَ بمناسبة «اليوم العالمي لحقوق الإنسان»، هذا اليومِ الواقعِ في اليوم العاشر من شهر كانون الأول (ديسمبر) من كل عام – وحين صارت المئات، لا بل الآلاف، من الأناس المعارضة للحكم السعيِّدي تتظاهر وسط العاصمة تونس ذاتِهَا وتندِّد أيما تنديد بذلك «الانقلاب السياسي» الغني عن التعريف، وتطالب من ثَمَّ بالحماسِ بتلك العودة الضالَّةِ أو المُثلى، أي «عودةُ الديمقراطية» بنحوٍ ماثلٍ مقبولٍ اجتماعيًّا، على أدنى تقدير – وحين صارت كذاك «جبهةُ الخلاص الوطني»، على سبيل المثال، تنظِّم التظاهرَ المعارضَ للحكم السعيِّدي ذاتِهِ وفي حلولِ «اليوم العالميِّ» ذاتِهِ أيضا، مصرِّحةً على لسانِ رئيسها الرسميِّ، أحمد نجيب الشابي، بأن هذه القوة الشعبية العارمة التي يتمُّ التجمُّعُ من أجلها الآن إنما هي قوةُ إنقاذِ تونسَ بالعينِ بغيةَ الوصولِ إلى نقطةِ الفصل مع الانقلاب المعني، وبأن عمليةَ الانتخابِ التشريعي المقبلِ إن هي إلا مهزلة تُجرى وفقَ «قانون» هزليٍّ قد تمَّ تفصيلُهُ سربالا على قَدِّ سعيِّد بالذات – وحين صارت هكذا «جبهةٌ وطنية» على اللسان المصرِّحِ ذاتِهِ تدعو الشعبَ التونسيَّ بجلِّ أطيافِهِ وأحزابِهِ إلى رفض هكذا انتخابٍ تشريعيٍّ وإلى العزوفِ عن أيِّمَا تشاركٍ إيجابي أو حتى سلبي، وعلى الأخصِّ هنا في ظلِّ أُفُوبِ «محاكمات الرأي ومحاكمة المدنيين عسكريا واختطاف السياسيين من الشارع واحتجازهم وملاحقة الصحافيين كذلك»، وفي ظلِّ أُفُوبِ «الحكم الفردي المطلق مثلما مُورسَ بالقسر والإرهاب في السابق أيامَ زين العابدين بن علي، إن لم يكن أسوأ بكثير منه حتى»..

ومن الحريِّ بالذكر ها هنا، أخيرا وليس آخرا، أن «جبهةَ الخلاص الوطني» هذه، من حيث سعة الكادر السياسي على وجه التحديد، إنما تضمُّ على الأقلِّ خمسةَ أحزاب سياسية معارضةٍ بامتيازٍ على اختلاف مماهاتها وكذاك اتجاهاتها في المشهد السياسي التونسي الراهن وحتى القادمِ إلى أجلٍ مُسَمًّى أو حتى لامُسَمًّى، كمثل حزبِ «قلب تونس» وحزبِ «تونس الإرادة» وحزبِ «ائتلاف الكرامة» وحزبِ «النهضة» وحزبِ «الأمل»، هذا إضافةً إلى حملات سياسية مناهضةٍ كذلك من مثل حملة «مواطنون ومواطنات ضد الانقلاب»، وما إلى ذلك.. وما كان انضواءُ هذه الأحزابِ والحملات السياسية تحت لواءِ «الجبهة الوطنية» المعنية إلا بمثابة ردِّ فعلٍ مباشرٍ أو لامباشرٍ على تلك الأزمةِ السياسية التي قامت قيامةً بين الرئيس قيس سعيِّد ومجلس نُوَّاب الشعب، والتي أسفرت بالتالي عن هكذا انقلابٍ سافرٍ، منذ اليوم الخامس والعشرين من شهر تموز (يوليو) عام 2021، حينما أعلن هكذا رئيسٌ عن إقالة أعضاء الحكومة وعن تجميد عمل البرلمان وعن حلِّ حتى سلطة القضاءِ المرتبط ارتباطا عضويا بهكذا عمل.. كلُّ هذا الانضواءِ الأثيرِ من لدن هذه الأحزاب والحملات السياسية تحت لواءِ هذه «الجبهة الوطنية» المعنيةِ في كفَّةٍ، وذاك الاحتمالُ الكبيرُ، احتمالُ حدوثِ القطيعة الكبرى بين هكذا رئيسٍ «مُنْقَلِبٍ» مُقِيلٍ ومُجَمِّدٍ وحَالٍّ، إلى آخرِهِ، وبين حزبِ يساريٍّ بامتيازٍ بوصفِهِ أكبرَ حزبٍ نقابيٍّ في طولِ البلادِ وعرضِهَا يُسَمَّى تسميةً خليقةً بـ«الاتحاد العام التونسي للشغل» في كفَّةٍ أُخرى قُدَّامَ هاتيك البَرِيَّة!!..

[ولهذا الكلام، فيما بعدُ، بقية]

تعريف بالكاتبة

ولدتُ في مدينة باجة بتونس من أب تونسي وأم دنماركية، وحصلتُ على الليسانس والماجستير في علوم وآداب اللغة الفرنسية من جامعة قرطاج بتونس.. وحصلتُ بعدها على الدكتوراه في الدراسات الإعلامية من جامعة كوبنهاغن بالدنمارك..وتتمحور أطروحة الدكتوراه التي قدمتُها حول موضوع «بلاغيات التعمية والتضليل في الصحافة الغربية» بشكل عام.. ومنذ ذلك الحين وأنا مهتمة أيضا بموضوع «بلاغيات التعمية والتضليل في الصحافة العربية» بشكل خاص.

حزب قلب تونس

حزب تونس الإرادة

حزب ائتلاف الكرامة

حزب النهضة

حزب الأمل

إلخ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى