الأشياء التي هاجرت من أماكنها
راما وهبة | سوريا
الخامسة صباحاً
بعد نوم خفيف ينزلق من أطرافي
بطراوة ونزق
لينكمش على وجهي في قشرة الصَّحو البارد
لا شيء في ندى العينين يا لوركا
سوى طلقات الفراغ
لا شيء من نبرة حزنك يا دوراس
إلا الأضلاع المطريَّة
الصَّمت بين يدي هنا شره للمرارة والملح
للدَّمع الذي يضيق بالأرض وثقل ما يكون
جداراً للكلام أو أقفاصاً للشَّفافية
وحدها الظلال بريئة من كلّ ما لم نفعل
في محيط الأشياء التي هاجرت من أمكنتها
لتظل هنا مفقودة إلى الأبد
أذكر حين قلت :
“الأشياء ليست ميتة تماماً
الأشياء ذاكرة آخرين
مدن ومرافئ وحرارة أجساد”
كل ُّيوم أرتِّب الرُّفوف
بتلك الأشياء التي جمعتها من رحلات متفرقة
وأنا أفكر ببلاهة ما نكدِّسه ليطمئنَّ الغبار قليلاً
ألمِّع وجه مريم بانحناءة تكفي
للانطفاء الذي يلبس سكون شموع العاج على جفنيها المغمضين
ويؤرِّق غبش الخضرة المموَّهة بالزوال على أطراف أرز الرَّب
أقرب تمثال بوذا من الضحك في النهارات التي تتناقص وتقسو
ليذكِّرني بالزُّهد والحلاوة معاً في انفلاق حبَّة تين بالحكمة السَّائلة
أقف على ساق من شمعدانات نحاسيَّة
تجعلها القدامة إرثاً لما يكون بين “الكلام المستحيل والصَّمت المستحيل”
أفرد أصابعي على الموسيقا بالأبيض والأسود لألمس بينهما ما يتمزق في جسد القتيل
أكرر لنفسي : ضوء لا يصل .. غيمة فوق كلب يبول.. رغبة لا تعرف الرّوح.. لا تعرف الرّوح
أتنهّد من أطراف عشب مائيّ
أتنهّد من الشفقة على النوافير التي يحرسها الموتى والتسول والقصائد المبتورة
أتنهّد من أصوات محترقة تطير عبر أسلاك الكهرباء
أتنهّد من أرجل الحمام.. حمراء حمراء كالبراءة
ثم أذكر تلك اللعبة في قراءة أغلفة الكتب بشكل عشوائي:
“لا يمكن سرقة القمر
همس الجفون
هسهسة اللُّغة
الضَّحك
أجمل ما في الأرض أن أبقى عليها”