مقال

ربّ نقمة أثمرت نعمة

خالد رمضان| كاتب مصري – صلالة – عُمان

تحكي إحدى الزوجات: بينما كنا جالسين، أنا وزوجي نحتسي فنجانين من الشاي الأحمر، إذ فجأة ودون مقدمات احتدم الحوار بيني وبين زوجي، وارتفعت أصواتنا، ثم ترك كلٌّ منا مكانه، وانزوى بعيدا. وفي صباح اليوم التالي أعددت له الفطور، وتقدمت وقلت: الطعام جاهز. تناولنا الطعام، والصمت سيّد الموقف، كلٌّ منّا يركز فيما أمامه، فلا كلام، ولا سلام. وبعد انتهاء تناولنا للطعام، تكلمت وقلت: أريد أن نشتري بعض الأغراض لنا وللأولاد. ردّ عليّ ولكن بفتور، وقال: متى تريدين؟ قلت: اليوم قال: حسنا، فلنذهب في المساء.
تقول المرأة: كان زوجي يتكلم، ودون أن ينظر إليّ، أو حتى يُعيرُني أدنى اهتمام. تكمل حديثها قائلة: بالفعل خرجنا، واشترينا ما شاء الله لنا أن نشتريه، ثم قلت له: إني متعبة، هلّا جلسنا؛ نستريح من عناء التسوّق، ونتناول بعض اللقيمات؟ قال: حسنا، هناك مطعم.
وبينما نحن جالسان ننتظر إحضار الطعام، إذا بفتاة تمثل أمامنا، وتحدّق النظر إليّ، فقلت: مها زميلتي. فقالت: سها صديقتي. فاحتضنتني، وقبلتها، وقبلتني؛ لأننا لم نلتقِ منذ زمن بعيد. ثم مدّت يدها لتصافح زوجي، وأنا أعرّفها به. وقف زوجي ليصافحها- على غير العادة- فأنا أعرفه لا يصافح النساء. وعيناه تبسمان، وأطال السلام، تعلوه ابتسامة ملء الشدقين، ومقلتاه عالقتان بالفتاة، وكأنه لم يرَ نساءً من قبل. احترقَت أحشائي من الداخل، وبدَت علامات العبوس على وجهي، فتنحنحت قليلا. سحب هو يده، وعادت صديقتي إلى وضعها الطبيعي، ورجع هو مكانه. انتهى اللقاء، وانتهى العشاء، وعدنا إلى بيتنا، وأنا في أشد حالاتي كمدا وغيظا.
ما هذا الذي حدث؟ كيف فعل زوجي ذلك؟ هي ليست أجمل مني، بل أنا أفوقها حسنا وجمالا ومظهرا. تساءلت كثيرا، ودون أن أتعرّض له، ولو ببنت شفه. وأقول لنفسي: لقد فعل زوجي ذلك أمامي، وعلى مرأى ومسمع مني، فكيف به في غيابي؟ ولمَ لا أراه يفعل ذلك معي؟!
وضعت رأسي على الوسادة، وعيناي مصوّبة تجاه سقف الحجرة، والأفكار السيئة تنهش رأسي، ولم أعرف للنوم سبيلا، ولم أجد للراحة طريقا. أمّا هو فقد وضع رأسه، وراح في سباتٍ عميق، حتى أزعجني غطيطه، وارتفاع أنفاسه.
قمت من مكاني، وفتحت شاشة التلفاز، وجلست أمامها وأنا لا أعلم ما تعرضه، ولم ألقِ له بالا. ثم قلت لنفسي: هلّا فكرت تفكيرا معاكسا؟ وحقا فعلت، وللأسف اكتشفت أنني أنا المخطئة. كنت مخطئة حين كانت أولى أولوياتي أولادي، فانشغلت بطعامهم، وثيابهم، وحياتهم، وأهملت زوجي، فلم أرتدِ له ثيابا جذابه، ولم أجلس معه جِلسه خلابة. كنت مخطئة حينما أفقدته كينونته، فلم أغمره بفيوض السعادة، ولم أسقِه من كؤوس الغرام الصافية. كنت مخطئة لأني من فتحت له الباب على مصراعيه ليهرب إلى أخرى يرتمي بين أحضانها. في تلك اللحظة قمت مسرعة إلى غرفة نومي، فتحت دولابي، ارتديت أفضل ثيابي، ثم ذهبت إليه لأوقظه.
استيقظ بصعوبة، ثم حاول فتح عينيه، وتأملني، ثم ابتسم، وقال: ما هذا ؟! قلت: زوجتك التي افتقدتَها. نظر إليّ، وفهم عني، ثم قال: الآن وصلت الرسالة.
منذ تلك الليلة تغيّرت حياتي، وعلمت أن زوجي هو حياتي التي لابد من المحافظة عليها، وإلا ذهبت حياتي وكنت في عداد الموتى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى