وينقضي العمر
خالد رمضان| كاتب مصري
ما أقبح أن تعيش بلا هدف، ولا مغزى، ولا معنى، تمسي وتصبح بأنفاس محترقة، مكتويا بنار الهجر والسلوان، تسير في طريق مظلمة لا تعرف لها بداية من نهاية، فلا أمل يحدوك إلى ما تسعى إليه، ولا رغبة تقودك إلى ما تصبو له، ترتعد فرائصك، تتعثر خطاك، وكأنك محموم قد تثاقلت قدماه، أو مريض قد أضناه الألم، أو لفظته الحياة، مشتت النفس، مضطرب الخطى، حائر الوجدان،حياتك بائسة، أحلامك باتت يائسة، مرقدك نفس المرقد، ممشاك نفس الممشى، مسعاك هو هو نفس المسعى، فلم ترسم لنفسك حلما ولا غاية، أرهقتك الأوهام، ونالت منك الٱثام والخطايا، تقودك لذاتك، تركض ركض الوحوش خلف شهواتك ونزواتك كأنك شخص مرزوء مبتلى بسوء الفهم وسوء الهداية، قد كبلتك ملذاتك وقادتك نحو هاوية قصوى في غيابات جب لا تعلم له نهاية.
حياتك كحياة السائمة التي لا تعرف إلا العشب الذي تفتش عنه بين الجبال والوديان، تجذبها رائحته الزكية، وأوراقه الندية، في الوقت نفسه قد تكون أوراقه الندية، أو رائحته الزكية طريقها نحو حافة الجبل فتتردى تحت سفحه، حتى تكون نهايتها المشينة، وحقا (رب نفس عشقت مصرعها). فإلى متى تبقى أسيرا شريدا لا تعرف لك وجهة، ولا تحدد لك حلما ترجوه، ولا هدفا تأمله؟! فيا لها من حياة بائسة تسعد بشقائها، وتشقى بمتعها ! ألم تسترجع حياة الراحلين؟ ألم تقرأ أخبار الملوك السابقين؟ هؤلاء الذين ملكوا الدنيا من أقصاها إلى أقصاها حتى غرهم مجدهم، وخدعهم سلطانهم كأمثال النمرود بن كنعان، وبختنصر الذين ملكوا الدنيا بأسرها حتى قالوا: من أشد منا قوة؟ فأين ذهبوا؟ ماذا حصدوا؟ يقول الراحل محمود سامي البارودي:
كل حي سيموت
ليس في الدنيا ثبوت
حركات سوف تفنى
ثم يتلوها خفوت
وكلام ليس يحلو
بعده إلا السكوت
أين أملاك لهم
في كل أفق ملكوت
زالت التيجان عنهم
وخلت تلك التخوت
عمرت منهم قبور
وخلت منهم بيوت
خمدت تلك المساعي
وانقضت تلك النعوت
إنما الدنيا خيال
عارض سوف يفوت
ليس للإنسان فيها
غير تقوى الله قوت
لاحياة بلا هدف، ولا هدف بلا أمل، ولا أمل بلا عمل. قم فانفض تراب الكسل عن كاهلك، وغسل وجهك بماء الجد والاجتهاد، حدد لك أمنية ريانة تخلو من الرغبات المادية الدونية الدونية، تسمو بك إلى الٱفاق السماوية العلوية. إنما يكلل مسعاك نيتك الصادقة، وأفكارك النافعة، ٱمالك اليافعة، تلك الأفكار التي تغرسها في أرض الفضيلة والمكرمة فتورق أيما إيراق علما نافعا، وخيرا راسخا، وتثمر ثمرا يانعا ناضجا.
تلك الأيكة التي سقيتها بماء الصدق والعمل تحييك حياة أزلية، وتخلد عملك خلودا سرمديا، فيستظل المذنب بظلها، ويطعم الراجي رحمة ربه بثمرها، ويهتدي الضال بعبيرها وأريجها. تلك الأيكة الباسقة المشتدة على سوقها قد تكون علمك النافع، أو خيرك الساطع، أو ذلك الحق الذي أظهرته، أو هذا الباطل الذي دحضته، أو ذلك المنكر الذي أخمدته. هذه هي الحياة التي تقودك إلى الحياة. تلك التي قال الله تعالى عنها: “يا ليتني قدمت لحياتي”
أما أن نعيش بلا هدف ولا نفع فموتنا خير من حياتنا، كما يقول الشاعر:
إذا كنت لا ترجى لدفع ملمة
ولم يك في المعروف عندك مطمع
ولا أنت ممن يستعان بجاههم
ولا أنت يوم الحشر ممن يشفع
فعيشك في الدنيا وموتك واحد
وعود خلال من وصالك أنفع
نفع الله بنا وإياكم، وخلد ذكرنا وذكراكم