حاكموا الشعر لا الشاعر.. نقد بلا حدود
ثناء حاج صالح
النقد مطلوب منه التفصيل والتبيين والحكم والتقييم لكل ما يتعلق بالشعر بنيويا (لغويا) وأسلوبيا ومعنويا وجماليا (فنيا). وما كان هذا ليعيق الشعراء ويمنعهم من قول ما يريدون.
لا شيء يحد من صلاحيات النقد، ولا يحق لأحد أن يكفّ يد النقد أن تطال ما تطاله من الشعر ، ولا حتى المقولات القديمة في النقد مثل مقولة (عزل الدين عن الشعر). هذه المقولات التي تجاوزها النقد الحديث بأميال ولم تعد تمثل فيه إلا تراثا قابلا للاستئناس به على سبيل استعراض مسيرة تطور مناهج النقد ومذاهبه.
وعلى سبيل المثال: إذا كان تحدي الحياء العام والدعوة إلى مخالفة الأسس الأخلاقية سياسة الشاعر، وديدنه، ومخططه لكسب الشهرة السريعة، فوصفه بالفجاجة واجب النقد الذي لا ينبغي له التقصير فيه.
وقد يكون الشاعر فجّا وقحا ماجنا معنويا، وهو في الوقت نفسه ماهر ومتقن ومُجيد فنيّا أو شعريا. فالمستوى العالي للشعر من حيث الجودة الفنية، لا يلغي حقيقة فحش معانيه وخسة مضامينه المعنوية، بل على العكس من ذلك؛ لعل فحش معانيه وخبثها هو سبب فرادته في التصوير البياني، إذ تتيح له الجرأة والقدرة على التجريح دون حرج أن يطرق أفكارا ومعاني يتعذر على غيره الاقتراب منها، حياءً.
ولا شيء يمنع النقد من الإشادة بالجودة الفنية مع تبيين هبوط المعاني وابتذالها وما تحمله من الدلالات المعنوية النفسية والسيميائية الاجتماعية والتاريخية حسب سياقاتها وحسب المنهج النقدي الذي يعتمده الناقد في تحليلها.
نعم لا يحق للنقد أن يحاكم الشاعر. ولكنه مطالب بمحاكمة الشعر .
وينبغي على النقد أن يقول كلمته في معاني الشعر، تماما كما يفعل مع مبانيه وفنيّاته وأساليبه. فإذا لم تكن هذه مسؤولية النقاد فمسؤولية من؟