قراءة في جزء آخر من سلسلة: لمن تشرق الشّمس؟!
محمد موسى العويسات
عنوان في هيئة سؤال، هل خرج الاستفهام عن حقيقته إلى معان أخرى تشي بالتّحسّر والشّعور بالبؤس والضياع؟ الجواب: نعم، بل هو إلى الاستبعاد أقرب، وكان الختم بتكرار السّؤال، يتلوه الجواب: حتما ليس لنا. على لسان من كان السّؤال والجواب؟ لم تشر الكاتبة هدى حجاجي لذلك، هل جاء على لسان الطّفل اليتيم ابن العاشرة، نحيل الجسم، الذي أسعف أمّه المريضة، عبر طريق طويلة تحت شمس لاهبة، على حمار منهك، أصيب الولد في رجله فأخذت تنزف، والأم المريضه على ظهر الحمار تنزف، الولد يخشى على أمّه، وما أن وصلت العيادة حتى فارقت الحياة… هل جاء على لسان التمرجيّ الذي أثاره المشهد فبكى… أم على لسان العربجيّ الذي حملها في عربته في اللّحظات الأخيرة؟ هل يُتصوّر أن يأتي على لسان الحمار صديق المرأة والطفل؟ فالدوّاب في هذه البيئة تشارك الناس حياتهم البائسة في حبّ وألفة، هل يأتي على لسان الكلاب الضّالة العطشى الباحثة عن شربة ماء في هذا الحرّ اللهيب؟ هل جاء على لسان الكاتبة التي تغرق في مرارة المشهد، فكأنّها تعيش الواقع، أو كانت شاهدا عليه؟ هل يأتي على لسان القارئ؟ نعم قد يلهج كلّ هؤلاء بمثل هذا السّؤال بلسان المقال في البشر ولسان الحال في الحيوانات، التي تعيش مع هؤلاء البشر. لقد جلبت الكاتبة في هذا الجزء القصصيّ صورة صادقة معبّرة عن بؤس حياة النّاس في هذا الجزء من الكون الذي لم تصله الحياة المدنيّة في زمن التطوّر العلميّ والتّقنيّ، بهذا النّقل السّريع، في لغة مشحونة بلهيب الحرّ، والمرض، والفقر، ونزف الدّم، والبطء القاتل، والغوث المتثاقل، والنهاية المفجعة، وقلّة الماء، وقلّة النّظافة. وفي هذا النّسيج المتين كانت خيوط الإنسانيّة والمشاعر النّبيلة والنّفوس البريئةوالقيم الأصيلة، كلّها كانت حاضرة بارزة،تسهم في تكوين السّؤال:”لمن تشرق الشّمس؟”
لماذا أشرقت على الآخرين ولم تشرق علينا؟ لماذا كان الجواب: حتما ليس لنا؟، إنّه جواب يفوح منه اليأس والإحباط والشّعور بالعجز… الجواب يشي بانفعال الكاتبة، وربّما يروق أيضا للقارئ، بعد أن تمكّنت الكاتبة من إثارة مشاعره واستدرار عَبَراته.
أمّا اللغة فقد جاءت مفصّلة على قدر الأحداث، دون زيادة أو نقصان، وجاءت العبارات قصيرة، وقلت بينها حروف الرّبط من عطف وابتداء وغيرها، وذلك لتوحي بجوّ من البطء والتّراخي والتّعثر في بلوغ الملهوف الغوث، فتفوت بسببه الفرصة، وتكون النّهاية: طفل يبكي على أمّه، ليكون لطيما هذه المرّة.
لقد تمكّنت الكاتبة من خلق علاقة متناقضة في اختلاف الدّلالة بين (شمس) العنوان و (شمس) القصّة التي صحبت الطّفل وأمّه، وأرهقتهما، وانتعش بها الذّباب، وجعلت الكلاب الضّالّة تبحث عن قطرة ماء. فمتى تكون الشّمس حارقة تثقل الحياة وتبطش بها، ومتى تكون الشّمس إشراقة حياة؟! وقد نجحت الكاتبة في رسم قصّة حياة المرأة وملامح شخصيّتها من خلال حديثها الدّاخليّ وتذكّرها لما مرّت به في حياتها، استحضرت السّمع والبصر والشّمّ… وفوق هذا نجحت الكاتبة في إشراك الدّوابّ والطّيور والشّجر مع الإنسان في تلك البيئة القاسية البائسة، وخلقت بينها وبين الإنسان علاقة جميلة غير متناقضة ولا منفصلة، وكان الحضور المؤثّر للحمار، تقول الكاتبة في المرأة: ” ربّتت على رقبة الحمار تلاطفه تكلّمه: كنت صديقى الحميم! من كان يصادق أرملة فقيرة مع طفلها غيرك؟! أنت صديق مخلص.” وهذا ما أسهم في اكتمال الصورة، ووافق منطق القارئ في أنّ البؤس لا يخصّ الإنسان وحده، بل يعمّ كلّ كائن حيّ في بيئته.
وهكذا نكون أمام قصّة أخرى من قصص الكاتبة، تنقل بها واقع أناس يعانون الإهمال والحياة البائسة، ولكنّهم يعيشون القيم الرّفيعة، فالأم لا تتزوّج بعد أن ترمّلت لترعى ابنها، والولد قلق على أمّه يتعالى على جرح في رجله ليصل بها إلى العيادة… وهذا السّرّ في تجنّب الكاتبة تسمية الشّخصيات، ذلك لتبقى نماذج بشريّة. إنّها قصّة من سلسة قصص تؤدّي وظيفتها في أدق التّفاصيل، وتحسب بكلّ جدارة على الأدب الواقعيّ التّصويريّ، وتؤدّي مهمتها بنجاح.