طبيعة البصمة الفكرية للشخص.. الشخصية الفلسطينية أنموذجاً
بقلم: عفاف عمورة | برلين
لكلٍ منا بصمته الفكرية في هذا العالم ،تلك البصمة التي نجسِّد من خلالها الانطباع الشخصي الإيجابي ،وهي التي تميَّزه عن الآخرين.وهو سعيٌّ معيَّن للوصول إلى شيئٍ مختلف يتكوَّن على أثرهِ نجاحٌ باهر.
يمكن من خلالهِ وصفَ الشخصِ بأنه صاحب كاريزما وجاذبية كبيرة وحضورٌ طاغي. هذه الشخصية يتمتَّع بها أشخاصٌ معينون يملكون القدرة على التأثير على الآخرين بشكلٍ ايجابي من خلال الارتباط بهم جسدياً وعقلياً وعاطفياً وثقافياً. حيث يتمتعون بشخصيةٍ وسلطة فوق العادة تثير الحماسَ والولاءَ .فهل للبصمةِ الفكريةَ هبة وعطاء أم خبرة نستطيع العمل على اكتسابها، فهي لا تقتصر فقط على قلّةٍ من الأشخاصِ سعداءَ الحظ، بل يمكن لأيّ إنسانٍ اكتساب مهاراتٍ وقدراتٍ وسلوكيات هذه الشخصية.
ولكن هذا الاكتساب ليس بهذه السهولة التي يتوقعها أيّ منا. وليس بالأمر اليسير اكتساب القدرات والمهارات التى طرأت على عقل الشخص لأنها لا تتحقق إلا بالإرادة القوية والممارسة المستمرة التي تصعب على كثير من الأشخاص، وذلك بتطبيق بعض الاستراتيجيات والمناهج وأهمها قوة الشخصية والثقة بالنفس وبناء العقل معرفياً وعلمياً وثقافياً لأنَّها تعَدّ أحد المكونات الأساسية لسحر وجاذبية أي شخصية، فالأشخاص الواثقون بأنفسهم يؤكِّدون لمرؤوسيهم أنَّ كل شيء على ما يرام وأنَّ العمل يسير وفق الخطط المرسومة وإنها تحت المراقبة والسيطرة، فتنتقل عدوى الثقة والاعتداد بالنفس إلى المرؤوسين ويشتعلون حماساً ونشاطاً.
ولهذا يلجأ الناس للشخصيات القيادية الجذابة ليتزودوا ببعض التفاؤل والثقة العالية بالنفس ويحصلوا على شحنةٍ مميزة وقوية من الحماس الفاتر لديهم.لكن في هذا السياق يجد الشخص نفسه أمام قضيةٍ هامةٍ جديدةٍ، وهي أنَّ الشخص ربما يفتقد للثقة بنفسه لأنه لا يقدِّر نقاط قوته كما ينبغي.
من هنا تأتي الدراسات النفسية والاجتماعية والعلمية والوطنية لتدفع الشخص من أجل المبادرة بالقيام بعملية جرد لصفاته الإيجابية الحسنة وإنجازاته لمنح نفسه دفعةً قويةً لتقييم نفسه وتدعيم ثقته بنفسه.
في سياق بناء الشخصية الفكرية والقومية والوطنية يمكننا أن نأخذ الشخصية الفلسطينية كمثال للشخصية الوطنية والتي يمكن أن تسير وفق تطوره. فقد درج الفلسطينيون على بناء شخصية أولادهم بناءً سليماً من خلال اقناعهم بأنه لن يظفروا بحقهم في استعادة أرضهم الحبيبة فلسطين ما لم يستحقون فلسطين. أي ما لم يرتقوا إلى مستوى النضال الذي يفرضه هذا الاستحقاق.
من هنا امتازت الحالة الفلسطينية بتشكيل شخصية متمردة وغاضبة ورافضة لكل حالات القهر الخار، ومناضلة ضد الفساد والعجز الداخليين. والعمل بشكلٍ جاد على بناء العقل والعقلانية وممارسة الصدق واكتساب المصداقية.
لقد أمضى الشعب العربي الفلسطيني أعواماً كثيرة وأضاع بسبب العوامل الخارجية زمناً ثميناً في المطالبة بتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني استناداً إلى حقه التاريخي والقومي فيه.
ولا شك في أنَّ الفلسطيني تأثر بشكلٍ كبير وواضح في هذا المسعى مما دعا إلى العمل الجاد لبناء كادر مقاوم يتمتع بشخصيةٍ قويةٍ رصينةٍ شجاعةٍ ومفكّرة. مبنية على أسس فكرية وثقافية وعلمية ووطنية.
وتعمل على بناء أجيال تحمل كامل المسؤولية لتحرير الأرض والإنسان وبناء الوطن الفلسطيني المستقل القادر على تجاوزالقهر والمحن والصعاب .فجاءت المناهج التربوية داعمةً للتربية المنزلية والوطنية وصقل الشخصية الواعية المتفرِّدة والمفكرة والتي تعرف كيف تسير باتجاه إثبات الذات وإثبات الوجود. لأنَّ المعركة مع الكيان الصهيوني معركة وجود وليس معركة حدود.
لذا فإننا نجد الأجيال الفلسطينية المتعاقبة على دراية ومعرفة بتاريخ النضال الفلسطيني ويعلمون علم اليقين أنَّ قادة الدول الكبرى كانوا قد صرَّحوا منذ أوائل القرن العشرين وخصوصاً خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية وما بعدهما.
وبما ورد في المواثيق والمعاهدات الدولية،وفي مناقشات المنظمات العالمية وهيئاتها وقراراتها عن احترام حقوق الشعوب ،وتأييد حريته وسيادته. فبذل أبناء الشعب العربي الفلسطيني الكثيرمن الجهود المضنية في تذكير الدول والحكومات والشعوب الأخرى بحقوق الشعب العربي الفلسطيني في أرضه وفي تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
لقد حاولت الدوائر الصهيونية والغربية ومعها دوائر بعض الدول العربية عن حرف مسيرة النضال الفلسطيني لصالح الكيان الصهيوني ومشروعه الاستيطاني في منطقتنا العربية.
وكان من ضمن تلك الضغوط وضع الكثير من العقبات والحواجز في سبيل تحييد قوى الشعب الفلسطيني الذاتية للدفاع عن حقوقه وحمايته من الهجوم الصهيوني الاغتصابي عليه. ولا ننكر أن عالمنا قد شهد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قيام منظمة الأمم المتحدة مع انحسار بيِّن للاستعمار التقليدي الفرنسي والبريطاني والإيطالي.
واندحار الدولة العثمانية وانكسارها وتلاشي قوتها ودورها،بعد أن جثم على صدور شعبنا العربي لمدة أربعمائة عام من القهر والتتريك والتجهيل وزرع الفتن.
مع التقدم السريع في حصول الشعوب المستعبدة على استقلالها (على الرغم مما يعتري هذا الاستقلال من نواقص)،وتبوئها مراكز هامة في منظمة الأمم المتحدة باستثناء الشعب العربي الفلسطيني، وما هذا الاستثناء الغريب إلا أنَّ هذا الشعب كان يواجه بالاضافة إلى الاستعمار التقليدي كحركة استعمارية خاصة مرتبطة به ومتصفة بدينامية خارقة مدعومةً من الغرب الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. هي الحركة الصهيونية التي هدفت إلى استعمار فلسطين بأشد أنواع الاستعمارعرياً وفظاعة وبشاعةً أي بالاستيلاء الفعلي على ترابها الوطني وإجلاء سكانها الأصليين عنها واستجلاب اليهود من مختلف أصقاع الدنيا وتحويلها إلى مجتمع عبري ودولة إسرائيلية.
لقد تعلّم الشعب الفلسطيني إزاء كل هذا كيف أنَّ العلم هو بوابة النجاح، وأنَّ المقاومة والصمود هما ركائز وجوده. فاتسم الشعب العربي الفلسطيني بجده واجتهاده وتفانيه في عمله وصدقه. وفي رصانته وقوة شكيمته وعزيمته ،وفضاءات إنسانيته الفيّاضة ،فكان منهم الطبيب والمهندس والصيدلي والمخترع والمدرِّس والفني والعامل. ونسبة كبيرة من هؤلاء مثقفون ثقافة عالية ونوعية.
ويتمتعون بصفاتٍ شخصية مميزة وقوية. ولهم حضور لافت بين الشعوب والأمم. هكذا تكون الشخصية الفكرية مميزة . وهكذا تترك بصمتها للعام . وتسعى لتحقيق مرادها وأهدافها.