أين أدب المقاومة؟
د. أحمد الطباخ
لعلنا لم نر حالا أسوأ من حال أمتنا العربية في هذه الفترة المظلمة التى استكانت فيها الأمة وركنت إلى الدعة ومالت إلى الذين ظلموا وهوت إلى الحضيض فكرا وعقلا بل أصابتها البلاهة والبلادة بلادة المشاعر والأحساسيس ولم يعد لديها رهافتها ولا رقة مشاعرها وفقدت أخص ما اختصت به وما ميزها عن غيرها من أمم الأرض فقد كانت هي الأمة الشاعرة التي تهتز أركانها وتتقطع نياط قلوبها ووتشجى وتنهمر عبراتها لمآسيها وما يحدق بها من ملمات وخطوب فيركب فرسانها الجياد ويخرج رجالها حاملين سيوفهم لا يهابون المنايا وإنما يخرجون إلى أعدائهم حاملين أرواحهم على أكفهم لا يعبأون لموت يدافعون عن عروبتهم وقبيلتهم وفي سبيل العزة والشرف يبذلون المهج من أجل أن يدافعوا عن شرفهم وأعراضهم و أراضيهم .
وكان الأدب سجل حياتهم وديوان أمجادهم يقوم خطباؤهم فيحثونهم على النزال ومنازلة الأعداء فتلتاع قلوبهم وتشرئب أعناقهم وتنتصب أقدامهم في صف واحد خلف قائدهم دون اعتبار لحياة مشوبة بكأس مذلة وإنما الموت الزؤؤام لكل من تعرض لواحد منهم فلا نامت أعين الجبناء ولا ذاق الحياة وغمض له جفن من تعرض لأرضهم فالشاعر له باللسان وهم له بالسنان فالجهاد بالنفس والمال واللسان شرف عظيم لتحقيق الأمجاد فما الذي حدث حتى وصل الأمر إلى أن اختفى ذلك الأدب العربي الذي كان يجسد معاني العزة والكرامة التي اعتز بها العربي في ذلك الزمان العظيم الذي كان فيه قمم أدبية تعايشت مع تلك الأحداث وعبرت عنه في أصدق العبارات وأجزل الألفاظ مما كان له أثر عظيم في نفوس الناس وأرخ لتلك الأحداث التي وقعت وحقق الناس فيها النصر العزيز وحققوا من خلاله الأدب الواقعي.
في كل مرحلة من مراحل التاريخ سجل الشعر ما وقع وحدث لأمتنا فاستثار النفوس السوية لتتفاعل مع هؤلاء الذين يقاومون من أجل أن تظل الأمة في ذاكرة التاريخ وليكون ذلك باعثا على مواصلة المسير إلى نهاية الطريق الذي يحتاج إلى من يلهب المشاعر ويؤججها لتمدها بما تحتاج من حماسة وذلك أمر ليس باليسير وإنما يحتاج إلى طراز فريد من الأدباء أصحاب الثقافة الواسعة والحاسة النقدية والمشاعر الفياضة والقلوب الرحيمة والعقول الفطنة والحكمة الثاقبة والنظرة النافذة والرؤية الحاسمة التي من خلالها تحقق قصب السبق وتجعل لقضايانا القومية زخما تتناقلها الأجيال وتطيل البحث فيها وعلى الإعلام دور لا يستهان به في تعريف النشء والشباب بتلك القضايا الإنسانية التي يحاول الأعداء أن يشغل الناس عنها بسفاسف الأمور.
إلى وقت قريب ظل مفكرونا عاكفين على تلك القضايا بالدراسة والبحث والتحليل ووضع الخطط المستقبلية الحلول المناسبة وكذلك الأدباء والكتاب دون أن يكون لهم شواغل أو أطماع أو مآرب أو أيدولوجيات أو أجندات من هنا وهناك ولكن كان ديدنهم وغايتهم هو الوصول إلى الحق والحقيقة والوقوف في وجه العدو مهما كلفهم ذلك من تعب أو حدث لهم من أمر جلل فكم منهم من رمي في غيابات السجون من أجل كلمة أو وقفة عز أو قصيدة شعر أو رأي جريء اقتنع به فما هابه ولا زجرته سيف العز ولا طمع في ذهبه وإنما اختار أن يكون في خندق الحق مهما كلفه من أثمان فهل نجد أدب مقاومة بعد حالة الخنوع والاستسلام التي صارت سمة من سمات حياتنا في زمننا السيء هذه الأيام؟ ! .