قلقُ الهويّات

د. ناديا حمًاد | سوريا

أقول للقلقين على الهويّات والانتماءات:

إنّ الابتلاءات الفكرية ستزداد تعقيدا في أذهان الأجيال القادمة ..لأننا سنُرتهن أكثر فأكثر إلى الآخر الذي تعلمنا أن لانحبه..

ستفقد هذه الأجيال شيئا فشيئا مقوماتها الذاتية كما يجري الآن فعليا و واقعيا لدى العديد من شبابنا، وهذا بحد ذاته يشكل تهديدا حقيقيا للموروث برمته..وللخصائص الحضارية الخاصة التي ننادي الحرص عليها وصيانتها،،

 إنّ علاقتنا بالإنجازات الحضارية الراهنة علاقة سلبية، نحن لانؤثرفيها على الإطلاق..ولكننا نتأثر بها تأثُرا استهلاكيا كبيرا.. وعندما نحاول استشراف المستقبل نستنج أننا سنبقى مستهلكين للحضارة ولسنا مبدعين فيها على الأقل في المدى المنظور

هل يمكن أن نتصور موقعنا القادم في عالم التكنولوجيا المعاصر. أو ما يسمى بالحضارات السيدة الجديدة؟!!

إنّ حشودا من الأجيال تعاني غربة شديدة بينها وبين خصوصيتها الذاتية ومع مقوماتها الخاصة ؛ فهي مبهورة بما يدور حولها وما تشاهده من إنجازات خارقة تتم في بيئات غير بيئتها .. بينما هي غير قادرة على تحقيق الاندماج أو تحقيق التواصل المطلوب مع تلك البيئات. .ولهذا يبقى أكثر شبابنا مشدودين أبدا إلى ساريةٍ في مهب الريح بين الثّبات و الإغراء. أو بين الهداية والإغواء…لكنّ من سيفوز بالنهاية وعند توافر الفرصة هو الإغراء والإغواء ..

فيرتفع علم الخلاص الوهمي للأفراد في ثقافات ومرجعيات أخرى حيث تكون النتيجة إما تخلي الإنسان عن الذاتي والخاص،، أو نصل إلى حالة من الالتباس تفضي إلى التوتر الفردي أو الجمعي الذي يوقف مكنة الابداع والتطور…

لذا علينا أن نؤكد  على خصوصياتنا لأنها من شروط البقاء والاستقلال للأجيال، وأن نتعامل مع الحضارات الأخرى على أنها ليست النقيض الذي يجب الصدام معه، بل هي جزء من المشروع الإنساني الكبير..

ودائما المطلوب الحرص على المشترك العام ..و العمل على ردم الفجوة بين الحضارات كلها  عبر إدخال (البعد العالمي) في المناهج الدراسية.وفي الأطروحات الثقافية والعلمية..

وعلينا أن نعرف أنّ هناك هامشا مشتركا للبشرية مهما تعددت الخلفيّات الثقافية والقومية والعرقية؛ فمشكلة التلوث مثلا التي لا تعرف حدودا ولا حواجز .. وها هي مشكلة كورونا التي تعاني منها البشرية الآن… وأيضا الكوارث الاقتصادية العابرة للقارات والتي تمسّ الجميع..

إذن لا مفرّ من الاقتناع بأنّ هناك مصائرَ مشتركة لشعوب الأرض، ولم يعد بالإمكان القفز عليها أو تجاهلها وإنما التشارك في حلها بعيدا عن الاستغلال والاحتكار؛ لأنّ هذا الكوكب هو ملك الجميع والعالم كله أضحى اليوم قرية صغيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى