أدب

قراءة في قصة: الزهايمر

قصة قصيرة حدا

بقلم: حنان بدران| ناقدة

أولا – القصة

يتراءى له طيفها بمرايا البيت، يستأنس بوجودها، لا يتذكر صورتها أو صورته، فقط رائحة قهوتها تعيد إليه شبابه الذي أفناه بالسجن، عندما دفعها غاضبا ذات يوم، فسقطت جثة هامدة.
حسن اجبوه

ثانيا – القراءة
العنوان، هو العتبة التي بدأ فيها الكاتب النص والعنوان جزء لا يتجزأ من النص… الزهايمر، وهو مرض دماغي متطور يدمر خلايا المخ؛ مما يؤدي إلى مشكلات في الذاكرة والتفكير والسلوك، ويؤثر بشدة في عمل وحياة الشخص المصاب ونمط حياته الاجتماعي، فيتدهور وضع المريض المصاب بمرور الوقت، وغالبًا يؤدي إلى الوفاة. إذا هو مرض دماغي متطور يدمر خلايا المخ.. حيث يصبح المريض بنهاية المرض غير مسؤول عن تصرفاته.

نظرة في فحوى النص

طبيعة المرض ازهايمر إنه يمر بخمس مراحل الخامسة هي آخر مرحلته… (يتراءى له طيفها بمرايا البيت) هنا نحن نكون في المراحل الأخيرة حيث ما زال المريض يتذكر الأطياف التي كانت قبل أن تخونه ذاكرته تماما… في هذه المرحلة قد تغيب صورتها وصورته عن المشهد ولكن لا تغيب التفاصيل فيها. حيث يتراءى ذلك الطيف الذي يؤنس وحدته في تلك المرايا حوله. قد يستشعر وجودها بمشاهدات الرائي اللامرئي مشهد يحيا الذاكرة وهو يناظر المرايا… (لا يتذكر صورتها أو صورته) استخدم الكاتب هنا خاصية التقطيع البصري والذهني… البصري من حيث إن القارئ يلاحظ هنا كيف قام الكاتب بتسريع المشهد من طيف في المرايا إلى صدمة يدخل القارئ بها… (لا يتذكر صورتها أو صورته)… هذا هو الزهايمر اللقطة عنده في الذاكرة للحظات فقط حيث تعد الهلوسة والأوهام أحد أهم الأعراض المتقدمة التي تظهر على مريض ازهايمر، إذ يرى أو يسمع أو يشم أشياء لا وجود لها. وكان من هذا المنطلق كان التأسيس للقطة الثانية (فقط رائحة قهوتها تعيد إليه شبابه الذي أفناه بالسجن) إذا انتبهنا هنا إلى آخر اللقطة كانت صدمة للقارئ مشهدية مركبة ببراعة
✓✓تخيلات بالمرايا لطيفها
✓✓استئناس وجودها بحياته
✓✓نسيان الأشكال والصورة الحقيقية لهما
✓✓فقط رائحة القهوة تعيده لأيام الشباب.
بقفلة أولى تضرب كل توقعات القارئ بصدمة وكلمة
السجن تعتقد أن القصة انتهت هنا، لنكتشف أن الكاتب
ما زال مستمرا بصنع حدث آخر…
(عندما دفعها غاضبا ذات يوم، فسقطت جثة هامدة.).
دخل الكاتب هنا لقطة أخرى حيث ينتقل من مشهدية قديمة لمشهدية أقدم… هنا التقطيع البصري والذهني، التقطيع البصري رؤيته لها عندما دفعها فسقط من قوة الدفعة جثة هامدة. نحن هنا أمام كتابة شذرية مقطعة، ومجزوآت نصية وكبسولات متدرجة تقطيعا وتشذيبا، وترتيبا؛ كما شرحت في قصتنا هذه.

حيث خاصية التراكيب
– تتراكب الجمل الفعلية في قصته إتباعا، وتعاقبا وتسلسلا، بتسريع الأحداث واحدة تلو الأخرى، قصد خلق التوتر السردي وأحداث الدهشة والصدمة.
– الخاصية الفعلية
– حيث نلاحظ الجمل الفعلية البسيطة الصورة لكنها تتسارع تراكبا وتعاقبا وتواليا، ويعني هذا أن تراكب الجمل بشكل تعاقبي من أهم الآليات اللغوية لتسريع الأحداث.
{يتراءى- يستأنس- دفعها- فسقطت}.

رؤية خاصة حول النص
تشتمل القصة عند ا. حسن اجبوه على مقومات (الحكي القصصي)، من (حبكة) وشخصيات، وفضاء زمكاني، ومنظور سردي، وتلوين لغوي يتأرجح بين الوصف والسرد هكذا تتوفر هذه القصة القصيرة جدا على كل المقومات التي يستند إليها فن القصة القصيرة جدا، كما أنها تبتعد عن مقومات أدب الخاطرة، أو أدب النادرة، أو أدب اللغز. وتقترب من خاصية الاقتضاب في الوصف وتعتمد على إحداث عنصر المفاجأة وإيثاره الدهشة والصدمة للمتلقي. من هذه القصة القصيرة جدا، التي لم يكن الوصف وصفا موسعا قائما على التفصيل، والاستقصاء، والإسهاب، بل اتسم بالتكثيف والتدقيق والتركيز. حيث نقلنا من رؤية داخلية في نفس المريض لرؤيا خارجية تظهر لنا في المكان، ثم يعود إلى رؤية داخلية أي ينتقل السارد من ضمير المتكلم لضمير الاندماج بالتناقض الذي تحدثه الدهشة والذهول والصدمة في اللقطات التي فصلتها سابقا. لا أنكر عليه أيضا أن صورة المفارقة التي تتم عن طريق التناقض والتقابل بالقول والفعل، خلق مسافة جمالية لنا تربك المتلقي، وتخيب أفق انتظاره.
وأخيرا في قصة قصيرة جدا استطاع الكاتب أن يحمل لنا تفاصيل ارتكازية لتبني عليها قصة تتشظى برأسك وتترك لجام الخيال للقارئ أن يبني ويشيد أحداث حياة كاملة تبدأ بسؤال وتنتهي بألف سؤال، يترك ذلك المدى الشاسع لتفكر وتحرك مخيلتك لرسم المشاهد، ومن ثم يعتقد جدل في منحى ما أن القصة انتهت هنا ليكسر أفق القارئ بأن هناك حدثا يزلزل ما سبق ويترك لك حيرة التساؤل والسؤال إذا كان يتخيلها يرى طيفها، يستأنس بوجودها، رائحة قهوتها تعيد إليه شبابه الذي أفناه بالسجن حيث يرسم لك محبا أو عاشقا لامرأة كانت له في مكان قصي في قلبه وروحه ثم فجأة يكمل… “عندما دفعها غاضبا ذات يوم، فسقطت جثة هامدة\”
مشهد القتل لمن يحب هل كان حبا أم من كانت في حياته، ما طبيعة الصراع الذي أدى إلى القتل هنا؟
ما العلاقة التي تربطه بها وهل كان بلحظة انفصال عن الواقع بالزهايمر أو أصابه الزهايمر بعد الحادث المؤلم وو ستنفجر برأسك الأسئلة وهو يترك لك حيرة السؤال والتفكير والجواب ويصمت، من هنا كانت هذه المفارقة التي تحدث الدهشة وتضرب برأسك صدمة الموقف وتترك تهذي بها ولها… ترحل دون أن يتركك حيرة السؤال وحيرة الجواب فيها.
قلم مميز جدا، وقصة المفارقة الأجمل تحياتي واحترامي وتقديري لك ا. حسن اجبوه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى