تجاعيد الماء (15)

سوسن صالحة أحمد | شاعرة وكاتبة سورية تقيم في كندا

(كأس أخرى)

  • كيف تجرأتِ على البوح الآن؟
  • وجدتكَ قد تحررتَ من نفسكَ بعد أن شربتَ كأسك
  • لم أفهم!
  • خرجتَ من أناكَ فأصبحتَ تتقبل أي شيء
  • أو لم أكن أتقبل من قبل؟ !
  • لا، لأننا نادرًا ما نتقبل الصدق ونوافقه بما في أنفسنا ونساعد على إيجاده تطبيقًا ما لم نكن مُتجردين منا
  • من يكره الصدق؟
  • لا أحد يكره الصدق إلا خائف منه، هو مُوجع في كثير من الأحيان، بالأخص حين يخالف اشتهاءاتنا فنهرب منه ونتجاهله.
  • وكيف عرفتِ أني تجردتُ من نفسي؟
  • لقد قلت قبل قليل إنك ترى الحياة ملونة وشفافة، ولا يراها كذلك إلامن خرج من أناه ليدخل في منظومة الكون الطبيعية
  • هل أسألكِ؟
  • ولم الاستئذان؟
  • أخشى إزعاجكَ بسؤالي
  • أرأيت! للسكر مفعول السحر، أول مرّة تعبر فيها عن خشيتك من إزعاجي، ومن سؤال! ، بل وربما مشاعري أيضا ، أسال
  • كيف عشتِ معي كل هذا العمر وأنا بأناي؟
  • . . . . . . .
  • تصمتين!
  • الإجابة محرجة ومؤلمة
  • أما قلتِ أني تجردتُ مني
  • عشتُ تحتَ ضغوطٍ تعلمها، لا حاجة لذكرها
  • تقصدين!
  • أقصد كل شيء، كل أحد، ما ساعدني في الصدق

ولا أحد، تدري؟ !

  • ماذا؟
  • كنتُ أتوقعكَ تساعدني دونًا عنهم جميعًا، لأنك أكثرهم علمًا ومعرفةً بي، لكنك لم تفعل بسبب نفس الضغوط، ولسبب آخر
  • ما هو
  • حينَ ينفصل الزوجان يكون الرجل هو الخاسر الأكبر، لمن أعلنها حربًا تحتمل الربح والخسارة بالطبع كأنت، وأنت، معي أنا بالذات لم تعتد الخسارة
  • وأنتِ ما كنتِ لتخسري لو حصل؟
  • بلى سأخسر، بل خسرت وانتهيت، سواء حصل أم لم يحصل
  • أفهم، كيف تكون خسارتك بكلتي الحالتين؟
  • حينَ، ( وأومأتْ بيدها تشير للبعيد)، كنتُ قد خسرت الماضي الذي بنيته نفسًا بنفس تلاحقه روح ويذهب به شباب، وأيام كنت أحسبها وتدًا لخيمة الآتي من الحياة
  • ولو حصل ما خسارتك؟
  • كل ما ذكرت، مضافًا إليه كمد وحسرة وحزن، وربما وقتٌ طويل لأعود لي
  • لم أفهم، تريدين فراقي وتشعرين بعد بالكمد والحزن؟ أي إرادة متناقضة تجمعين؟
  • لا تعتقد أن الفراق راحة، هو في كل الأحوال هدم، ومن يفرح للهدم سوى مختل أو ناكث ليرمم بصورة أفضل لو أمكن الترميم، وزمن النكث بيننا مضى، ومن يدري إنْ كنتُ سأتمكن من البناء مجددًا؟
  • تتزوجين لو افترقنا؟
  • البناء الجديد لا يعني بالضرورة الزواج، أعني بناء داخلي، فحين ننهدم من الداخل يصعب بعدها أي بناء
  • حيرتني، تريدين الفراق، وتحزنين وتتوقعين أنك لن تكوني بخير؟
  • وربما أتجاوزها بسرعة وأكون بخير، هذا رهان ظرف ووقت
  • ألا تعدلي عن رأيك؟ أنا الآن أحبك
  • يااااه، كم آنٍ انتظرت هذه الكلمة، لكنها الآن تمامًا فقدت سحرها
  • وهل يفقد الحب سحره؟ هو ساحر على كل حال
  • حين تنكسر كأس لشدة برودة أو سخونة، هل ينفع معه السكب مجددًا؟
  • طبعًا لا
  • وما يفعل قلب مكسور بالحب؟
  • قلبك مكسور؟ !
  • نعم
  • وكيف عشتِ معي بقلب مكسور؟ أليس هذا مناقضًا لروحك؟
  • ها أنت أخيرًا تفهم روحي، على كل ليس تناقضًا، فأنا في كل عمري وحتّى قبل رغبتي بالانفصال، كنتُ أعيش معك كما أنت الآن
  • كيف؟
  • مُتجردة مني، لذا استطعت تقبّل كل شيء وأي شيء، على أن لتجردي معنيان، قبل. . كنتُ مُتجردة مني مثلك تمامًا، وبعد. .

تجردت مني بأن نسيت نفسي أو بالأحرى كنتُ أتقصد نسيانها كي لا أصدقني بأنني أكذب

  • تكذبين!
  • نعم، وقد صارحتك الآن لأني كنتُ أنتظر وقتًا كهذا لأتخلص من كذبي وماكنتَ لتستوعبه دون تجردك من قبل، لمحت لك سابقًا ولم تكترث لنفس الأسباب التي جعلتني أتجرد مني بطريقة أخرى، كنتَ تتجاهل الحقيقة وتغفل نفسك عنها لتحتفظ بهيئة وهيبة، صورة مثالية من الواجب أن تكون، وماهي بكائنة
  • فيم تكذبين؟
  • رغم معرفتك سأعيد. . فيما يحتاج القلب والروح معك، وهما غائبان
  • أتعني أنك لا تحبينني؟
  • لا أكرهك، ولست شغوفة بك، غير أنك خرجت بمعنى الحبيب من قلبي من يوم كسرته، فاندلقت منه كما تندلق قطرة ندى عن تويجة وردة انحنت لمرور الريح
  • أرجوكِ، أعطني كأسًا أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى