الحسد داء الأمم

علي المصـري الأزهـري | وزارة الأوقاف المصرية
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف المصرية
لقد استهدف الإسلام الحنيف بتعاليمه الراشدة بناء الإنسان السوي خَلْقا وخُلُقا وفي سبيل ذلك زوده بما يثري فيه صفاء فطرته ،ونقاء سريرته ،لأنه يريد أن يبني مجتمعا متماسكا ،يقوم على الإخوة الإيمانية التي تبنى على الحب المتبادل بين المؤمنين ،وهذا الحب، لا يرتفع شأنه إلا إذا سلم القلب من الحقد والحسد ،والغيرة والغرور ،والعجب ،وحب الذات .
فالحسد مجمع الآفات ،ومستنقع الشرور والرذائل،إذا مادخل الحسد في شيئ إلا شانه ،ولا نزع من شيئ إلا ذانه ،وإن انتشار هذا المرض الفتاك والآفة الخبيثة ،في أوساط الناس ،لأمر مؤذن بعواقب وخيمة ،وأضرار جسيمة ،ولو لم يكن من ذلك إلا التباغض والتدابر ،لكفى شرا وسوءا ووبالا .
فالحاسد من أشر عباد الله ،لأنه يعترض على الله عزوجل في حكمته وتقديره ،فلسان حال الحاسد يقول :كيف تنعم يارب على فلان بجاه أو مال أو نعمة ،ولم تنعم عليّ؟لذلك قال بعضهم:
ألا قل لمن بات لي حاسدا //أتدري على من أسأت الأدب //أسأت على الله في حكمه //لأنك لم ترض لي ماوهب //فأخزاك ربي بأن زادني //وسد عليك وجوه الطلب .
ولهذا ومن أجل هذه الأسباب وغيرها فقد حذرنا نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم من الوقوع في هذا الداء الخطير فقال (لا تحاسدوا) أي لا يحسد بعضكم بعضا رواه أحمد ومسلم والترمذي .

وقال :دب إليكم داء الأمم من قبلكم؛الحسد والبغضاء هي الحالقة ،لا أقول التي تحلق الشعر ،ولكن تحلق الدين رواه أحمد والترمذي والبزار .
يقول ابن حبان :السبب المؤدي إلى الهجران بين المسلمين ثلاثة أشياء :إما وجودالزلة -ولا محالة يزل -فلا يغضي عنها ،ولا يطلب لها ضدها ،وإبلاغ واش بقدح فيه ،ومشي عاذل بثلب له فيقبله ،ولا يطلب لتكذيبه سببا ،ولا لأخيه عذرا ،وورود ملل يدخل على أحدهما ،فإن الملالة توجب القطع ،ولا يكون لملول صديق .
من الحسد يتولد الحقد ،والحقد أصل الشرور،ومن أضمر الشر في قلبه أنبت له نباتا مرا مذاقه ،نماؤه الغيظ ،وثمرته الندم.
ليس للحاسد إلا ماحسد //وله البغضاء من كل أحد //
وأرى الوحدة خيرا للفتى//من جليس السوء فانهض إن قعد .
وممن عرف عنه أنه كان ذو نظرة ثاقبة (حسد فتاك )
نابليون بونابرت الذي قاد الحملة الفرنسية بمصر، فكان إذا ثبّت نظره على خصمه ،سبب له متاعب كثيرة ،وإذا نظر بنظرته الحاسدة إلى شيئ ما، حطم ذلك الشيئ …
ومن ذلك أيضا التجربة التي أجريت على (نيليا ميخايلوفا)وسط حشد من العلماء بجامعة (لينجراد)
فقد كان بإستطاعتها وبمجرد النظر أن تفصل بياض البيضة عن صفارها ،من على بعد ستة أقدام
تستخدم في ذلك مقدرتها الخاصة جدا في تحريك الأجسام المادية عن بعد ،ودون أن تقربها …

وقال أبو حاتم :بئس الشعار للمرء الحسد ،لأنه يورث الكمد،ويورث الحزن ،وهوداء لا شفاء له .
والحاسد إذا رأى بأخيه نعمة بُهت ،وإن رأى به عثرة شمت ،وما رأيت حاسدا سالم أحدا .
ثم تأمل أيها القاريئ :كيف أن سلامة الصدر من الغل والحقد والبغضاء لها خيرالجزاء وعظيمه.
فعن أنس بن مالك قال :كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ،فقال:يطلع علينا رجل من أهل الجنة فطلع رجل من الأنصار ،تنطف لحيته من وضوئه (يعني تقطر من وضوئه)رواه أحمد وإسناده صحيح )،وقد علق نعليه بيده الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ،فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى ،فلما كان اليوم الثالث ،قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا،فطلع ذلك الرجل في مثل حاله الأولى .
فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما ،فقال له :إني لاحيت أبي -اي خاصمته _فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثا،فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت !
قال :نعم.
قال أنس :فكان عبدالله بن عمر يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي ،فلم يره يقوم من الليل شيئا ،غير أنه إذا تعر-أي تقلب في فراشه _ذكر الله حتى ينهض لصلاة الفجر .قال عبد الله :غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا.
فلما مضت الليالي الثلاث ،وكدت أن أحتقر عمله ،قلت :ياعبدالله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة ،ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك _ثلاث مرات_
“يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة”فطلعت أنت الثلاث مرات ،فأردت أن آوي إليك ،فأنظر ما عملك ،فأقتدي بك ،فلم أرك عملت كبير عمل !!
فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟قال :ما هو إلا مارأيت ،غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ،ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه . فقال عبد الله :هذه هي التي بلغت بك “
وفي رواية “ماهو إلا مارأيت يابن أخي ،إلا أني لم أبت ضاغنا على مسلم “
نسألك اللهم أن تنزع الغل والحسد والحقد من قلوبنا ،وان تملأ بالمحبة صدورنا .يارب العالمين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى