أدب

القصيدة الشعبية التهامية اليمنية السياسية..قصيدة يا أهل صنعاء نموذجا

بقلم: حميد عقبي | باريس
ظل الشعر التهامي الشعبي اليمني من الأدوات المهة للتصريحات السياسية والنقد والرفض والمقاومة ضد الظلم الذي أصاب ويصيب أقليم تهامة الغني بثرواته الزراعية والحيوانية والبحرية وكلنا يعلم أن ميناء الحديدة رئة اليمن وخاصة مدن المرتفعات الشمالية ومنذ قيام الجمهورية العربية اليمنية وزوال حكم الائمة ثم قيام الوحدة اليمنية وإلى اليوم ماتزال تهامة تعاني التهميش والظلم وسرقة الثروات وفرض المكوس والضرائب ومصادرة الأراضي الخصبة وعدم وجود مواطنة حقيقية عادلة وهذا دفع الكثير من الشعراء الشعبيين بالتعبير عن رفضهم للظلم ولعل أصدق وأشهر نموذج قصيدة الشاعر الشعبي الراحل محمد عبدالله محفلي من مدينة بيت الفقيه الساحلية وقصيدته ” يا أهل صنعاء ” أعتقد أنه قالها قبل أوبعد الوحدة تقريبا واسمعها للشاعرين الكبيرين عبدالله البردوني ود. عبدالعزيز المقالح وأظنها وصلت وحققت صيتا كبيرا وماتزال حية ومتداولة إلى اليوم، فالحال لم يتغيير وإن تغيرت الحكومات والأنظمة وكأنه قدر أهل تهامة الرزوح تحت الظلم والاستغلال، وسوف نلاحظ بساطة الكلمات وقوتها ووضوحها الكبير وحتى سهولة حفظها..إليكم قصيدة الشاعر الشعبي عبدالله محفلي 


يا أهل صنعاء ..كيف أحوالكم
ليت أحوالنا ..حالية مثلكم
وأنتو حكامنا نشتكيها لكم
أحكموا بيننا ..حسبكم عدلكم
حالنا في عناء.. صدقو كلكم
ما أقوله أنا..صدقوا كلكم
حرب أباءنا..هم أبآؤكم
لم يكن ذنبنا..لا ولا ذنبكم
ذنب جلادنا..كان جلادكم
ما لكم عندنا..ما لا أبٱكم
عند آباءنا قد دفعنا لكم
في حساباتنا زايدو عندكم
أحسبوها لنا في حساباتكم
العسل عندنا والبصل عندكم
البصل أكلنا والعسل أكلكم
والتجارة لنا والكراسي لكم
أفلتت منا وأصبحت عندكم
والغروب عندنا والشروق عندكم
والتهايم لنا والجبال هي لكم
والحمى عندنا والبرود عندكم
والمدير عندنا والرئيس عندكم
والعقارات لنا والضرائب لكم
والبحر حقنا والجمارك لكم
كل شيء عندنا..عائداته لكم
وأنتم أخواننا ونحن أخوانكم
فلكم ما لكم ولنا ما لكم
ارحموا حالنا لا رحم حالكم.

قراءة سريعة للقصيدة
لعل من أهم الملاحظات وضوح الكلمات فهي مفهومة لا تحتاج لتشكيل وتحوي موسيقى سلسة، فاللهجة التهامية ليست بذلك التعقيد والغرابة والغموض ولعل الشاعر بوعي وذكاء جعلها بهذا الوضوح والسهولة لتصل إلى الآخر الذي يخاطبه ويقصده ولا تظل محلية في الاطار المحلي الضيق فقط، فهذه القصيدة رسالة سياسية ناقدة وثورية فيها من الرفض للظلم وكمن يعطي الحجة بالخطاب السلس الخالي من الشتم والذم القبيح.
رغم شهرة هذه القصيدة ووصولها إلى الآخر والحكام وشعراء ونقاد ودارسين فلا أظن أن أحد تناولها بأي بحث عن الشعر الشعبي التهامي ويتميز شعر محمد عبدالله محفلي بأن أغلبه عاطفيا رومانسيا ولكنه أيضا سياسيا وله الكثير من القصائد المشهورة يعبر فيها عن رأيه السياسي وخاصة قبل كل انتخابات نيابية وفي وقت الأزمات السياسية وهجاء لبعض المشائخ وكان قليل المدح في الشخصيات الأجتماعية والسياسية وكان رجلا بسيطا لم يستغل شعره للتكسب والترزق رغم حالته المادية البسيطة جدا.
كشفت القصيدة وقالت ما يمكن تقوله ألف مقالة وخطبة في شرح وتحليل الواقع المؤلم المعاش لأهل تهامة وماتزال معبرة وصادمة وفاضحة للواقع المستمر وكأن أساليب الظلم متوارثة ومن من دستور الأنظمة الحاكمة وأهل صنعاء هو خطاب شامل، يخاطب الشاعر الحكام وكذلك الذين ينادون بالعدالة والمواطنة المتساوية، يذكر الشاعر أننا جميعا كان جلادنا وأحدا أي الحكم الامامي المتخلف المستبد وبعد ثورة سبتمبر 1962 والتي ساهم فيها أبناء تهامة وبعد استقرار الجمهورية وبعد موت الشهيد الرئيس الحمدي تركزت كل السلطات لبعض العوائل والعشائر في المرتفعات الشمالية خاصة صنعاء وأصبح منهم الحاكم والمدير والوزير وأصبحت تهامة مصدر تدر على خزينة الدولة المليارات لكن بالمقابل لا يتم أي تنمية أو تطوير وعلاوة على هذا فقد نزل الوزراء والعساكر وذوي النفوذ لسرقة ونهب الأرضي وتوزيعها فيما بينهم وتنوعت أساليب الإذلال وماتزال مستمرة إلى اليوم.
شعرية المحفلي تمتاز بالروعة وحتى خفة الدم فهي كوميديا سوداء صارخة وقوية وهو في هذه القصيدة يقدم صورا من الماضي والحاضر ويعطي الحجة تلو الحجة بذكاء ومنطق بعيدا عن الخطاب الانفعالي الساذج وقد صاغها لتكون خالدة كأنها وثيقة تاريخية وهي أيضا صرخة لا ورفض ودعوة لمقاومة هذا الظلم المستمر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى