بقلم: شرين خليل
وانهدمت سنوات المودة والسبب هو الأنانية المفرطة
لقد أعطت كثيراً وكثيراً ولكنها لم تأخذ سوي الألم… وجاء الوقت لتسترد جزء من روحها المفقودة فلا مجال للعودة ولاتوجد فرصة أخرى فلقد انتهت جميع الفرص . عاشت عمراً طويلاً تضحي وتبني وتعطي ولكن لمن لغيرها لمن يأخذ ولا يعطي ..
انقذي ماتبقى واكسري كل الحواجز واهربي إلى عالمك أنتِ كوني أنت ولو لمرة قبل أن ينتهي العمر ويمضي
إبدأي حياة جديدة وكأنك طفلة تبدأ من جديد ولا تعودي إلى الماضي ولا تكرري أخطاء الماضي واخرجي من هذه الدوائر المغلقة إلى عالم تصنيعه أنتِ بنفسك لأجلك أنتِ ..
كوني أنانية ولو لمرة واحدة في حياتك…
استجابت رحيل لنداء نفسها
وعاشت رحيل لنفسها ولأولادها فقط تعمل ليل نهار حتى لاتحتاج باهر..فرحيل لا تعتمد عليه ولا تطلب منه شئ..
و على الرغم من التزامه بمبلغ شهري للأولاد وسؤاله عليهم بإستمرار إلا إنها دائماً تغلق كل الأبواب في وجهه …
المسؤلية تزداد يوماً بعد يوم …فالصغير يكبر وتزداد متطلباته واحتياجاته..
أنهكت روحها في العمل واشتهرت في مجال التدريس بالمُعلمة المُتفانية في عملها …
الجميع يطلبها بالاسم..وفي يوم طلبت منها إحدى السيدات، التي تعرفها جيداً وتعتبرها صديقة لها، أن تذهب إلى بيتها من أجل إعطاء ابنها درس خصوصي ..في البداية رفضت رحيل لكن السيدة ألحت عليها لإن ابنها مريض ولا يستطيع الحركة ..
وافقت رحيل وحددت معها موعد وذهبت بالفعل …
وبعد مرور عدة أيام تفاجأت رحيل بإتصال من هذه السيدة تتهمها بالسرقة ..لم تتمالك رحيل نفسها من الغضب وانهارت انهيار شديد وسقطت على الأرض في حالة إعياء شديدة…
ولم تشعر بنفسها إلا وهي في المستشفى وبجانبها أولادها ورأفت وباهر …
رحيل لم تكف عن البكاء .. والدهشة هل هذا جزاء المعروف؟؟ كيف نقابل الخير بالشر ؟؟؟
نظرت للجميع وقالت :هو أنا ليه بيحصل معايا كده…أنا عملت إيه ؟؟ دا أنا كنت بعمل خير ..
اقترب منها باهر وقال لها ماتقلاقيش يارحيل أنا جنبك وهاجيب لك حقك بس فهميني اللي حصل إيه وماتخافيش..
-وليه أخاف أنا ماعملتش حاجه ..والدة طالب عندي في السنتر ومش أي طالب دا أنا بحبه زي ولادي لإنه في نفس سنهم وبتعامل معاها بطيبة ووحب وخرجنا مع بعض أكتر من مرة، طلبت مني أروح اديله درس عشان تعبان وأنا برفض الفكرة دي أنا مش بروح لحد بيته لكنها قالت لي إنه تعبان ..صدقتها وروحت وفي الآخر تتهمني بسرقة فلوس من بيتها وعاوزه تعملي محضر وبتهددني بالسجن…
إزاي في ناس بتدبر الشر كده !!!
-أنا هاروح للست دي واخلص الموضوع دا..
-باهر..
-نعم …
-إنت عرفت منين إن أنا في المستشفى ؟؟!
-من البنات ..اتصلت أطمن عليهم قالوا لي وبعدين لازم أكون جنبك في موقف زي دا…قوليلي عنوان الست دي ورقمها والليلة كل حاجة هاتكون تمام…
على ماترجعي البيت هايكون الموضوع انتهى .. إنتي الحمد لله بخير لكن كان ممكن تتعرضي للخطر …رأفت هايوصلك وأنا هاروح أشوف الست دي عاوزه إيه بالظبط…
خرج باهر ومازالت رحيل في حيرة من أمرها وصدمة مريرة مما حدث لها …
وفي الليل بعد ما عادت رحيل إلى المنزل ..جاء باهر ليخبرها أن الموضوع انتهي وأن هذه السيدة كانت تطمع في بعض المال وهو أعطى لها ماتُريد …
وبدأ يتحدث مع رحيل عن ضرورة وجودهماً معاً:
-رحيل أنا محتاجلك وإنتي محتاجه لي ..وولادنا محتاجين لوجودنا معاهم…
-فرحان فيا عشان اللي جرالي…
-لا طبعاً وإلا ماكنتش ساعدتك..
-إنت عاوزني أرجعلك عشان تثبت للناس كلها ولنفسك إني مقدرش أعيش من غيرك ..
-وإيه المشكلة إنك ماتقدريش تعيشي من غيري..
-شفت بقى بترضي غرورك اللي اتربيت عليه ..
-اتربيت عليه؟؟
-أيوا شوف اخواتك بيقولو عنك إيه..
– أنا عارف بيقولوا إيه ولهم حق لإن أبويا فضلني عنهم وميزني يمكن عشان كنت متفوق أو يمكن عشان كان بيحب أمي اكتر ما إنتي عارفه إنهم إخواتي من الأب..وأنا مش زعلان من اللي بيقولوه لكن إنتي بقى هاتزعلي لو عرفتي إخواتك بيقولوا إيه عنك ؟؟
-إخواتي!! استحالة يقولوا عني حاجه..
-طبعاً مش قصدي رأفت لأن دا غيرهم ..أنا قصدي عاصم اللي عايش حياته ولما اتكلمت معاه قالي رحيل دي طول عمرها لا يُعتمد عليها ومش قد المسؤولية..أما أشجان بقى تحبي تعرفي قالت إيه؟
-أنا عارفه رأيها كويس هي شايفه إن الست تتحمل أي حاجه في سبيل إنها ماتبقاش مطلقة وتتعرض لإهانة من المجتمع..
-أنا هاخليكي تشوفي الرسايل بنفسك وهي بتقولي إن إنتي كنتي عايشه في نعمة وضيعتيها..وياريتها كانت مكانك…
-أنا مش مصدقاك..
-الرسايل قدامك أهي..
شوفي يارحيل في النهاية إحنا ملناش غير بعض ..
-عشان أنقذتني من اللي حصل هاتذلني…
-أنا مش هاتكلم كتير هما كلمتين هاقولهم لك وأمشي..أنا لو عاوزك تيجي تبكي بالدموع وتتحايلي عليا عشان أرجعلك هاعملها واللي حصل انهارده دا أكبر دليل ..بس أنا عاوز نبدأ صفحة جديدة..
-إنت تقصد إيه بكلامك دا؟
-عاوز اقولك إن أنا اللي دبرت الواقعة دي وأنا اللي اتفقت مع الست تعمل كده اشتريتها بقرشين عشان أعرفك بس إني أقدر أعمل كل حاجه واعرفك كمان إن مش كل اللي حواليكي مخلصين في ناس ملهاش غير مصلحتها وبس في ناس ممكن تبيعك عشان نفسها ..فوقي يارحيل واعرفي إن أنا باقي عليكي وإن أنا الحماية ليكي …
فكري وأنا موجود وصدقيني المرة دي أنا هاكون عند وعدي..
ذهب باهر وجاء رأفت وبدأ هو الأخر في إقناع رحيل بالعودة إلى باهر :
رحيل عاوز اتكلم معاكي بس ياريت تسمعيني للآخر بهدوء:
-شوفي يارحيل الإنسان مش بياخد كل حاجه هو عايزها في حجات بيتحرم منها لكن ربنا بيعوضه بحجات تانيه..عندك أنا أهوه أتحرمت من أمي وماشفتهاش لكن ربنا عوضني بماما سميحة كانت حنينة عليا جداً …
خليكي زي ماما سميحة وبصي للجانب المُضئ بصي لأولادك اللي بيكبروا قدامك وبلاش تفكري في نفسك وبس بلاش تلومي على باهر وتقولي أناني وتكوني إنتي كمان أنانية…
خليكي زي ماما سميحة…
-بس باهر مش زي بابا عبد القادر يا رأفت…
-مش قولت لك اسمعيني للآخر وبلاش تقاطعيني..
-حاضر . .
– مين قالك إن بابا عبد القادر وماما سميحة ماكنش بينهم مشاكل . كل البيوت فيها مشاكل …
وكل إنسان عنده عيوب ومميزات ..
إنتي ماحاولتيش يارحيل تغيري من باهر ..إنتي دايماً شايفه باهر من منظور واحد بس …ومش قادرة تغيريه…
-اغيره ازاي وهو شايف نفسه صح طول الوقت…
-أنا جاي لك في الكلام بس إنتي اللي مستعجلة وبردو بتقاطعيني..
-ما أنت بتقول كلام غريب كأنك مش عارف باهر..
-لأ عارفه وعارف كمان إن كل شئ ممكن وكل إنسان جواه صفات حلوة لازم نكتشفها وصفات مش حلوة نحاول نعدلها بس مش بالعافية والإكراه..كل حاجه بالحب والإحتواء..
كان ممكن تواجهي باهر بعيوبه بس بطريقة صح مش بالهروب والبعد …
لازم يقرب منك ومن الأولاد ويشارك كل حاجه معاكو..يتحمل مسؤلية الأب قبل الزوج وصدقيني اللي مش هاتقدري تعمليه ولادك والايام هايعملوه…
ولآخر مرة هاقولك فكري بعقلك في مصلحة أولادك وحكمي قلبك في حبهم لأبوهم واحتياجهم له…
ربنا وهبك قلب طيب حافظي عليه…
واحفظي الجملة اللي هاقولهالك دي :
من إعتاد على العطاء، لن يستطيع الآخذ…
أنا مسافر كام شهر وإنتي هاتكوني لوحدك ودي فرصة عشان تعرفي قيمة وجود باهر معاكي وخلي بالك باهر لو مش باقي عليكي ومنتظرك كان زمانه اتجوز غيرك …
بلاش تضيعي عمرك في عناد وبعد وقسوة ..الفترة اللي عشتي فيها لوحدك اتبهدلتي وبقى شكلك أكبر من عمرك…
أشوفك على خير…
-مع السلامة…
ذهب رأفت وترك رحيل تفكر في ما قاله لها ..
وبالفعل بدأت رحيل في التفكير في كلام رأفت فكلامه معها كشف لها حقائق لم تكن تراها …وبدأت تلوم نفسها تارة وتواسيها تارة أُخرى…
أرسلت إلى باهر رسالة تطلب منه أن يتركها وقت كافي لإتخاذ القرار …
هذا الوقت هو بمثابة هدنة لها مع نفسها ..
التي خاطبتها لأول مرة بوضوح وصراحة :
كم أنتِ بارعة في إخفاء مابداخلك من حزن وضعف …
الكل يعلم ما بداخلك فلا ترهقي نفسك وتكلمي…
كوني ثرثارة …
كوني كالأطفال في نسيان الأحزان…
عيشي الحياة بحلوها ومرها ..لا تخجلي من حزنك ولا تحزني من ضعفك …
لملمي أوراق الماضي و
اطوي الصفحة المؤلمة وابدأي صفحة جديدة واعلمي أن الذي ينتصر في النهاية هو صاحب القلب النقي ..
حافظي على نقاء قلبك وروحك البريئة ولا تجعلي الذكريات السيئة تقتل عفويتك …
وتذكري دائماً أن الحياة لا تكون حياة بدون عطاء ومن اعتاد على العطاء، لن يستطيع الأخذ..
