أدب

.. ورحلت “أم البطل”!!

الكاتب محمد القصبي | القاهرة

ماتت الفنانة الكبيرة شريفة فاضل..
هل ينبغي أن اموت انا أيضا كمدا لرحيلها دون أن أفي ماقد يراه البعض دينا في رقبتي لها..؟!
ربما اعتذار عن هذا الذي بدر مني تجاهها ..تجاه ابنها البطل في تلك الليلة البعيدة..وقد تراه خطيئة إنسانية.. بل وطنية مشينة ارتكبتها ب ” جليطة ” فلاح جلف لايعرف الأصول..؟

حدث ذلك في إحدى ليالي صيف ١٩٨٩.. موعد مع شخص أجنبي..أصر أن يكون اللقاء في ملهى الليل بالهرم..
وأنا أخطو داخل الملهى يلفحني صقيع الغربة..بل كادت قدماي تتعثران ..صحفي نعم..ولد وأنامله تقبض على مفاتيح الجرأة..التحفز.. لاقتحام اي مكان في هذا العالم ..
لكن مثل هذا الصحفي الريفي الذي يترنح ان تسللت إلى أنفه رائحة دخان سيجارة..هاهو يجد نفسه مطالبا بأن ينزع كل أردية الوقار الانساني ليغوص في مستنقع خمر يراه السكارى حوله جنة رضوان..!!
ظهرت شريفة فاضل ..لينفجر المكان بصراخ الهتافات والتهليل ..
تنطلق موسيقى زاعقة ..لتداهمني الفنانة الكبيرة بالأغنية التي أحب. التي نحب.. “أنا ام البطل” التي كلما استمعت إليها في الراديو..فاضت عوالمي بشعور فريد..شعور تمتزج فيه الرغبة في البكاء توحدا مع قلب الأم الثكلى ..والاعتزاز ببهية التي أنجبت البطل سيد السيد بدير الذي استشهد خلال إحدى العمليات العسكرية في سبتمبر ١٩٧٣ ..
انتبه..الفنانة الكبيرة تشير بيدها نحوي: ماذا تريد مني أم البطل؟!
سريعا أدركت وأنا التفت حولي ما تريد..
الكل يهتف ..الكل يشاركونها الغناء للشهيد البطل .. إلا أنا!!
تطالبني بأن أشارك ..لاأستجيب..
اتطلع إليها بعينين صارختين : أمستنقع الخمر هذا يليق بأن تحتفي به أم البطل بالبطل..؟
نهضت ..يلاحقني مضيفي الذي كان مثلهم تطفح حنجرته بالهتافات الثملة للبطل..لأم البطل..
– ماتغيب ؟
هل ظن أنني متوجه إلى دورة المياه..؟!!
اندفعت إلى قرار شارع الهرم..سيارة أجرة تقف على جانب الطريق..
– التحرير يااسطى.. ؟

يوميء السائق بالموافقة..
لكنه كان يتطلع عبر مرآة السيارة إلى هذا القابع في المقعد الخلفي..
وكأنه يصدر له أوامره..
– لو سمحت تفضل..
– ماأفهمك ..
– مش رايح الأهرامات.
– لكنك في ميدان الجيزة وافقت أن تأخذني إلى الأهرامات..!!!
ببرود يفوح بشيء من القرف..رد السائق :
– غيرت رأيي ..
يهبط الراكب..أجلس بجوار السائق ..أسأله في تعجب
– ليه مش عاوز توصله للأهرامات؟!!
فاجأني رده :
– واحنا بنتكلم اكتشفت انه اسرائيلي !!
التفت إلى الخلف..أتطلع للحظات إلى لافتة الملهى الليلي وهي تنأى ..لأستدير فجأة وأطبع قبلة على رأس جاري السائق..
يرمقني بنظرة تفيض بالألفة..ليواصل شق طريقه في اتجاه التحرير ..!!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى