رياضة

مركز شباب أطفيح يصعد إلى دوري الدرجة الثالثة

لا يمكن اختزال الحكاية في عبارة تهنئة دارجة، وبضعة صور

عبد الوهاب شعبان | كاتب صحفي بجريدة الوفد المصرية
(1)
يقول الخبر: .
ما وراء هذه الجملة يتراكم عرق، وركض منفرد، وحلم لم تزحزحه منحدرات الطريق.
وعند كل محاولة يجر الموهوب قاطرة الأمنيات، تاركًا ثقلها على كتفيه، وبريقها لأحد عشر لاعبًا، صدقوه ذات بشارة قبل ٨ سنوات.
(2)
والتجربة، أية تجربة، لا تبنى على صدفة عابرة.
في طفولتنا، وحين كان مركز شباب أطفيح قبلة الترفيه الوحيدة في البلاد، تعرفنا على موهبة استثنائية في كرة القدم، ويجمعنا عصر المدينة حول ملعب لم تخضر أرضه إطلاقًا بفعل ملوحة عالية ترزح تحت ترابه، ويبدأ التمرين.
ومنفردًا، يبدأ الكابتن شوقي في فاصل المهارات النادرة، يروض الكرة، فتستحيل إلى صديقة مقربة، يركلها واقفًا، وجالسًا، ويطوحها وهو يستدير فتأتيه طائعة، وتدوي صيحات المعجبين في فضاء لا فرص فيه، ولا كاميرا تنقل هذا لأفق القاهرة الفسيح.
تنقضي سنوات، ولا يزيد انقضاؤها إلا عشقًا متبادلًا بين الكابتن، الساحرة المستديرة، يودع الملاعب، وينطلق إلى دورات تدريبية في فن التدريب، يتقن قواعد اللعبة خارج البساط، كما أتقنها من قبل بفطرة الإبداع المنزه عن الأكاديمية الروتينية التي ولدت لاعبين بنكهة آلات المصانع.
(3)
أين يمكن للموهوب أن ينثر بذور إبداعه؟
خلف بوابة حديدية عريضة، ينقلك ممر ذي بلاط مزركش إلى منحدر أسمنتي قصير، ومن بعده ملعب خماسي محاط بأشجار الزينة تراثية الطابع، له عارضتان بلا شباك، وساحة متعرجة عند انتصافها، وتنبعج يمينًا حيث مساحة لا بأس بها تفصلك عن سور مركز الشباب، ويسارًا يستوي خط الملعب، وينحسر لالتصاقه بجدران منازل الجيران، وبهذا تقسم فترات اللعب بين الأجيال (الطلائع، الأشبال، والفريق الأول).
ورغم هذا، ومع اتساع الوقت على ضيق المكان، لا يريد غيم أن ينكشف عن الأمنية.
(4)
ينشق فكر القادة في البلاد عن تأسيس ساحة شعبية، لها مبنى إداري جديد، وملعب على مساحة قانونية تستقدم موافقات اتحاد الكرة على إقامة مسابقات محلية معتمدة، ملحق به ملعب خماسي، وحدائق، أضيف لها فيما بعد حمام سباحة.
تخضر أرض الملعب في ألفية جديدة، وتزدهر الأحلام.
ويأتي عام ٢٠١٤، ليزيح الموهوب الكبير حجرًا عن كهف الانغلاق المقيم، ينسدل شعاع، وتنفرج أمنية، ويشارك الفريق الأول في دوري الدرجة الرابعة لكرة القدم، وبطولة الجيزة.
ربما، لم يلتفت أحد وقتذاك، غير أن كبير الموهوبين يرى من وراء حجب مجرى الحلم، ومرساه.
(5)
في بضع سنين، يضع كل عابر من الشخصيات العامة بصمة، ويمضي، الرحلة طويلة، والسباق شاق.
لكن الموهوب الطموح، ورفاقه، يغزلون خيط الرغبة، ويرتقون رداء المشاوير غير المكتملة، ويبين لهم في خامس الأعوام قبس من نور الحلم، ويحصد المدير الفني بطولة الجيزة، ويفصله عن الصعود لدوري الدرجة الثالثة خمس مباريات، لكن شيئًا ما يؤجل التتويج.
مللنا نحن الجماهير المحبة، ورمينا أمرنا للأناشيد المكررة “لا أمل في ظروف كهذه”.
(6)
ويعود الموهوب ليلقن الطامحين درس الحياة “على الحلم أن يرشد الحالمين، كما الوحي”.
يتنكب الطريق، يتصل، ويواصل، ويطلب للاعبيه أقل ما يمكن من وقود لسير الحافلة نحو مبتغاها، ويقطع مسافات لبلاد بعيدة (وفي جعبته أكواب بلاستيكية، وعبوات شاي، وسكر، وسخان للمياه)، لا ميزانية تفي بأية رفاهية، ولا مداد للرحلة إلا الخيال الخصيب في قلب القائد.
وفي كل مرة، على مدار ٣ سنوات، يكرر التجربة، وتخونه حسابات التتويج، فينزوي يأسه، ويتجدد طموح، يدعمه مجلس إدارة مركز الشباب على قدر استطاعة ميزانية مرهقة تمامًا، وينصب قامته صديق لم يفلت يده أبدًا.
(7)
واليوم، يصل الركب، وتستقر الخطى.
وبعد فواصل التهنئة، ومع وصول مركز شباب أطفيح لدوري الدرجة الثالثة، يستحق الرجل أن يبرز لأضواء اللعبة الشهيرة، ويخط حرفًا لامعًا بين دفتي التدريب، والموهبة.
أما البلاد التي ينتظرها غد أفضل، لها بعد الفرحة، والانتشاء، أن تعيد ترتيب أولوياتها، وتنظر بعين مغايرة لقوتها الناعمة.
وأود لو تفتح صفحة جديدة على أرضية المحبة، نستقبل بها أمل الترقي، ونجدد أثر الماضي الجميل، على أن نعد خططًا مهنية رائدة لإطلاق مواهبنا في أرجاء مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى