أدب

خمسة مسامير في نعش حبك

د. خالد خضري | السعودية

عام، وعام، وعام

وأنا كاليتيم أمد يدي لأجمع رحيق اللحظة الذابلة
وأقف في صحراء العمر وحيداََ
لا وجهك يبعد عني ثقل صمت الزمان
ولا راحتاك تزيحان عن وجهي الحزين غبار التعب اليومي..
عام وعام
وأنت مسودة قصيدة كتبتها وضيعتها أحاول كل مساء استعادة بريق حروفها، شراسة كلماتها، نبضها الذي توقف فجأة..
هكذا تموت لحظاتي المريرة في استحضارك، فجأة كموت رجل أنهكه الركض وراء مجده الاكذوبة، في الشارع، أو في المكتب أو في سيارته الفارهة..
لا يقول شيئاََ
فقط تفاجئه السكتة القلبية فيموت..
هل سمعت عن فقير مات بالسكتة القلبية، الفقراء لا يفعلونها..
ربما لأنهم لا يملكون موقفاََ طبقياََ من الموت، هم يموتون فحسب، في المعمل أو الورشة أو في الطريق أو كما يفعلها أبطال شاعرك المفضل “أمل دنقل” يقعون من فوق السقالة..
يموتون فحسب
وحدها قصيدتي فيك ماتت فجأة
لأنها تحمل ثراءََ أسطورياََ
وها أنا انتظر قطاف اللحظة المشرفة على الموت..
أمد يدي وأستجدي الزمن الصعب
ليمنحني فرصتي الأخيرة
ها أنا
أعري لحظة الاحتضار أمام عينيك
سيدتي
ليس في الوقت متسع لكتابة قصيدة في الأمس جمعت كلمتين، سأحدثك عن واحدة، وضعتها على رف انتظار موتك
حروفها الخمسة مسامير في نعش حبك
وموسيقاها لحن جنازتك القادمة..
و….. د….. ا….. ع…… ا
حان الوقت لأشرعها في وجهك سيفاََ
فيسقط بيني وبينك جدار النسيان
فلا أنت تستطيعين هدمه بعنادك المعتاد، ولا أنا بصمتي أستطيع أن أحفر فيه ثقب الندم المر..
كم قلت لك
وأنت بعيدة وأنت قريبة، وأنت بين بين، لا تجعلي من خوفي شماعة تعلقين عليها كل صباح لا مبالاتك المثيرة..
عام وعام وعام
وأنا أرجوحة الزمن المتسرب من بين أصابعنا كالماء..
تقولين لي وأقول لك والشعرة التي بيننا تحنيها رياح قسوتك ولا تنقطع عام وعام
بانتظار يدك القاسية أن تسكب فوق أوراقه ماء الحياة
ولا شيء
كل عام نقول الكلام نفسه
كل يوم
كل دقيقة
كل ثانية
أنسج من بعدك يوماََ بعد يوم قصيدتي المنسية
كلما صادرتني حروف رثائك،
أغلقت مملكه الكلام
كلما اعتقلتني كلمات تأبين أسطورتك، حفرت في ذاكرتي الشرسة حفرة وطمرتها كوئيدة
لكنها أبداََ تنبت في أعماقي من جديد، كنباتات وحشية
وتمد جذورها بقسوة لتلتف حول القلب
وأنت
أين أنت؟
عام و عام
صار قلبي غابة من خوف والطمأنينة قطرة دواء تشهيتها دهراََ
وأنا مزروع كالعلم في ساحة انتظارك وأقول
غداََ، بعد غد،
ولا شيء
صار لزاماََ علي أن أشرح كلمتي التي خبأتها من عينيك أعواما فقد نسيت قصيدتي التي نسجتها من عذابي فيك
وانتحرت كلماتها فجأة
أصابها الجفاف والقحط فهوت كسنابل لم يكتمل نضجها..
فاجأها جنون الشمس المحرقة وهي بانتظار زخة مطر يتيمة
ها أنا أشرع أجنحتي وأطير
…. و…. د…. ا…..ع……. ا
خمسة مسامير أدقها في نعش حبك وأحرر قلبي بسكين رغبتي في الانطلاق بعيدا عنك
فراشة تمتص رحيق الزمن الآتي
عصفور مل قفص انتظاره
ماتت قصيدتي فيك
مات قلبي
وها أنا أعزف بيدي لحن جنازتك الأخيرة
لقد تعبت
عام وعام وعام
وأنت تغتالين زمني، وأحبك
أيتها المرأة
الوطن الصغير
السجن العذب
ها أنا أشرع أجنحتي وأطير..

من ديوان سيدة المرايا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى