انتصار العاشر من رمضان.. تذكير بِـما كان وهمس في الآذان

الدّكتور محمد بن قاسم  ناصر بوحجام | الجزائر

تحلّ اليوم  الذّكرى الثّامنة والأربعون لـمعركة العبور (10 من رمضان 1393ه/ 06 من أكتوبر 1973م)، التي انتقضت فيها خرافة الجيش الذي لا يقهر، جيش الكيان الصّهيوني، الـمدعوم بأنواع من الأسلحة البشريّة والـماديّة. انهار خطّ بارليف، الحصن الحصين للكيان الذي يمنع عليه كلّ عدوان. وقد صُمِّم بطريقة خيّل للجبناء  والأغبياء أنّه  لن ينقض، وهم لا يدركون قوّةَ أصحاب الحقّ،  وإرادة ذوي الإيمان القويّ بالله وبالنّصر، الـمتدرّعين بالصّبر والمصابرة والـمرابطة..تهيّأ لهم أنّهم مانعتهم حصونهم من الهجوم عليهم وهزمهم في عقر ديارهم..

تحطّمت كبريّاء شعب الله الـمختار- ادّعاء وترهيبًا للضّعفاء- ببسالة الجيوش العربيّة، على رأسها الجيش المصري والجيش الجزائري ومن كان معهم في جبهات القتال، في شهر رمضان شهر الانتصارات، شهر دحر المسلمين أعداءَهم.. حطّم خطّ بارليف، وانكشفت عورات المتغطرسين وظهرت مقهورة، بعدما سرت دعايات انّها في مستوى من القوّة لا يمكن النّيل منها.. 

لا ينبغي أن تمرّ الذّكرى من دون التّذكير بها ليعرف الصّغار والأجيال الصّاعدة هذا الحدث الكبير في حياة الـمسلمين، ولابدّ من الـهمس بها في آذان الكبار؛ حتّى  لا ينسوا القضيّة الفلسطينيّة، وينهضوا للقيام بواجبهم نحوها، فإنّها القضيّة الـمحوريّة في كرامتهم وشهامتهم ومروءتهم وشخصيّتهم وهُوِيَّتِهِمْ..  

الذّكرى الثّامنة والأربعون لـمقوّمات القوّة والشّرف والعزّة، ولِقِيَمِ النّبل  والمجد والغيرة.. تذكّرنا بالسنّة والأربعين وتسعمائة وألف، سنة الخزي والعار والذّلّ والهوان، فيها تعاون الأعداء والخونة وتدافعوا لبيع أرض فلسطين لـمن لا يستحقّها، وممّن لا يملكها، هذه الملكيّة مكّنتها منها النّذالة والخيانة.. فلابدّ أن تعرف الأجيال المتلاحقة هذه الحقائق؛ حتّى لا تُستدَرَجَ إلى نسيان حقّها الشّرعي والقانوني في هذه الأرض.

الإيمان والعزيمة والإرادة هذه العناصر كفيلة بالأخذ بالثّأر واسترجاع السّيادة والحيازة للأرض الـمغصوبة الـمنهوبة.. فإنّ الله تعالى القويّ العزيز وعد بنصر المجاهدين الـمخلصين، وأخذَ على نفسه حقّ نصر المسلمين..)أُذِنَ للذين يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمِ ظُلِمُوا وإنّ الله على نَصْرِهِمْ لَقَدير ( (الحجّ/39)   ) إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا والذينَ آمَنُوا في الحياةِ الدُّنْيَا وَيومَ يقومُ الاَشْهادُ ( (غافر/ 51)

الفلسطنيّون يُقاتَلون، وقد تحزّب ضدّهم وتجنّد القريب والبعيد، وخانهم ذوو قرباهم.. لكنّ التّاريخ يطلعنا على ما حدث للأحزاب الذين تكوّنوا من اليهود والعرب، والقرآن يقصّ علينا ماذا فعل الله بهم، كيف قهرهم وأذلّهم وهزمهم ونصر عباده المؤمنين أصحاب الحقّ..  قال تعالى واصفا هذا الحدث الكبير وهذه الحالة العصيبة التي مرّ بها المسلمون، لكن بإيمانهم وثباتهم وعزيمتهم وبعون من الله كان النّصر لهم والاندحار للأحزاب. هذا ما يكون بإذن الله  لأحزاب اليوم؛ إذا صدقت النّيّات وقويت العزائم، واشتدّ التّمسّك بالعروة الوثقى، واعْتُصِمَ بالله العليّ الكبير.

) يا أيّها الذين آمنُوا اذْكُرُوا نِعْمةَ اللهِ عليكمْ إذْ جَاءَتْكُمْ جُنودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَ اوكان الله بِـمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ( (الأحزاب/9). ) وَرَدَّ اللهُ الذينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَـمْ يَنالُوا خيْرًا وَكفَى اللهُ المُومِنينَ القِتالَ وكان اللهُ قوِيًّا عزيزًا وَأنْزَلَ الذينَ ظاهرُوهُمْ منْ أهْلِ الكِتابِ من صياصيهِمْ وَقَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرّعب فريقًا تَقْتُلونَ وتاسِرونَ فريقًا وَأَورَثَكُمِ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُم وَأَمْوالَهًمْ وَأرْضًا لَمْ تَطَئُوها وكان الله على كلّ شيءٍ قديرًا ( (الأحزاب/ 25 – 27)

الأحزاب الذين واجههم النّبيّ صلّى الله وسلّم وصحابته.. كانت نهايتهم الاندحار ، والفرار من ساحة المعركة أذلاّء مقهورين. اجتمع عليهم تأييد الله لعباده المؤمنين وإمدادهم بجنود وريح عاتية وقوّات لا يعلمها إلاّ العليّ القويّ القدير. كما اذلّهم بتحويل بأسهم وشدّتهم رعبًا سكن قلوبهم.. هذا ما يحدث لأحزاب اليوم من الأعداء  والظّالمين  والخونة والجبناء والـمتآمرين منّا..

على كلّ فرد يؤمن بالقضيّة الفلسطينيّة، وله حسّ إيماني قويّ، وقليل من العقل والتّفكير والإدراك.. أن يعلم أنّ الظّلم لا يدوم، والخيانة تندحر، والتّآمر ينكشف، والنّذالة تدمّر صاحبها.. والنّصر مع الصّبر ومع الإيمان بالقضيّة ومع الثّقة بالله القهّار الماكر بكل الـماكرين.. مردّدًا مع شاعر الرّسالة والقضيّة والـمبدأ وهو ينشد عن قضيتي الثّورة الجزائريّة والفلسطينيّة، ويشيد بهما، شاعر الثّورة الجزائريّة “مفدي زكريّاء”:

فَمُدُّوا   يَدًا  نَــحْمِ  أوْطَانَنَـــا

 

وَنُنْقِذْ  حِــمَانَا  مِنَ الــهَاوِيَـــهْ

فَإِنْ  تَنْصُرُوا   اللهَ  يَنْصُرْكُـــمُ

 

وَيُــنْجِزْ   أَمَانيكُمُ    الغَاليَــــهْ

وَلَنْ   يُــخْلِفَ الله   ميعــــادَهُ

 

وَلاَ   رَيْبَ  ساعَتُنَا   آتِيَــــــــهْ

ولا ننسى قول أمير الشّعراء أحمد شوقي:

وَللحريَّــــــةِ   الـحَمْـــــــرَاءِ  باب

 

بِكُــــــلِّ  يَــدٍ  مُـضَرَّجةٍ   يُدَقُّ

     النّصرُ آتٍ بإذنِ الله، والهزيمة بالظّالمين  لاحقة، وهي لكيانهم ماحقة.. البدار البدار لنصرة الحقّ واسترجاع الحقّ، فنصر الله للمجاهدين حقّ..                                         

                                             الجزائر  يوم الأحد: 10  من  رمضان  1441ه

                                                                    03  من   مايو     2020م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى