هل من حق أهل غزة أن يخافوا؟
خالد جمعة | فلسطين
في العام 2014، كنت في رام الله وقت العدوان على غزة، وفي إحدى المرات القليلة التي خرجت فيها من البيت، ذهبت إلى محل لبيع الخضار، وكان التلفزيون مفتوحاً في المحل على قنوات إخبارية، وخبر عاجل يقول: “126 من المرتزقة الأمريكان يصلون إلى إسرائيل للمشاركة في الحرب ضد حركة حماس”، وكان هناك رجل يقف وينظر إلى التلفزيون، فحرك يده بطريقة هوليودية وقال: شو يعني، غزة بتكسر روسهم كلهم إسرائيل مع أمريكا…
كتبت يومها مقالا صغيرا يحتوي معلومات لا تصدق عن المواطن في غزة، من ضمنها أن الغزي ينام في الليل ويمارس عمله في النهار، وطوله ووزنه يشبهان أطوال وأوزان بقية البشر، وأن الغزي يضحك ويبكي ويتزوج ويخاف ويجبن ويكون شجاعاً أحياناً، لكنه في النهاية يملك يدين اثنتين وقدمين اثنتين، لم أشاهد مواطناً في غزة بأكثر من ذلك، وكذلك الغزي عندما ينفجر فيه الصاروخ فإنه يموت، وحين لا يموت فإن أطرافه تتقطع، والغزي يبكي على فقدانه منزله وأولاده، وأن أطفال غزة، وللغرابة، يمتلكون ألعاباً ويحبون المراجيح والمصاصات، ويتقاتلون على مساحة اللعب في الشارع، وبعضهم يخاف من البحر، وأسنانهم تسقط وتستبدل بأسنان أخرى مثل الأطفال العاديين، وهم يذهبون إلى المدارس، بعضهم يرسب وبعضهم ينجح وبعضهم في الوسط، وبعضهم يهرب من المدرسة.
لا أحد يتخيل حالة الحرب إن لم يعشها، لا أحد يتخيل كمية الرعب الساكنة تحت الجلد وأنت مهدد على مدار اليوم بطائرات إف 16 وأحيانا إف 35، عدا عن الأباتشي والزنانات، والقذائف المدفعية وقذائف الزوارق الحربية، لا أحد يمكنه أن يتخيل القلوب التي تكاد تنخلع من أماكنها كلما دوى انفجار هنا أو هناك، خوف على نفسك، على أولادك، على أهلك، على أصدقائك، على بيتك، على ذكرياتك… إلخ.
من حق أهل غزة أن يخافوا على أنفسهم، على حيواتهم، من حقهم أن يرتعبوا من الحرب، بعد أن ذاقوها عددا لا حصر له من المرات، فعدا عن العدوانات الأربع، والتي هي كبيرة بما يكفي ليراها العالم، فغزة تتعرض يومياً لاقتحامات وإطلاق رشاشات ثقيلة على الحدود الشرقية والشمالية، ويتعرض الصيادون بشكل يومي للزوارق الحربية التي تطلق النار تجاههم، هذا عن “الزنانات” التي تسكن سماء غزة على مدار الساعات الأربع والعشرين، سبعة أيام في الأسبوع، ثلاثين يوم في الشهر، وصوت الزنانة يصيبك بالصرع حين تسمعه بشكل دائم، الصرع الحقيقي وليس المجازي.
لقد حاولنا ذات مرة أن نصف صوت صاروخ الإف 16، وكنا عددا لا بأس به من الكتاب والتشكيليين والموسيقيين، وفشلنا جميعاً، لأنه صوت غير قابل للوصف، وأي لغة تصفه ستصغّره ألف مليون درجة، هذا في حالة لم يصبك الصاروخ مباشرة، فقط أتحدث عن الصوت، الصوت فقط.
من حق غزة أن تعيش، وأن تحلم، ومن حق سكانها أن يشعروا بالرعب، فالرعب شعور إنساني، خصوصا، عندما تتعرض غزة لكل ذلك الدمار، ويقف بعدها من يدعون غزة للحرب، يتفرجون على أولادها في المقابر، وعلى نسائها المترملات، وعلى أطفالها المصابين بالهوس من أي صوت فجائي، وعلى بيوتها المهدمة، ثم يمضون إلى حياتهم وكأنهم شاهدوا للتو فيلماً ليس حقيقياً.