أدب

فقاعة الصابون

قصة قصيرة

حسن أجبوه | المغرب
يقف منتكسا بقبعته الحمراء، وقميصه الأسود الذي يحمل شعار إحدى الفرق الرياضية، وبنطلونه الأزرق المرقع، يحمل في يديه علبة بسبوسة، يتذكر أنها أكلتها المفضلة، يطأطأ الرأس حينا عندما تتلاقى أعينه بالمنتظرين مثله. وأحيانا أخرى يبلع في صمت دخان سيجارة استنجد بها خلسة من فضول أعين المتلصصين..دقت ساعة الإفراج، الكل يسارع الخطى للوصول للباب الحديدي الموصد ، لمعانقة من ستطأ أقدامهم تراب الحرية، لايدري هل يفعل مثلهم أم ينتظر خفوت المكان من الأقدام، في قرارة نفسه تعتريه تلك الأفكار منذ كان طفلا، فيلوم نفسه على ما اقترفت يداه ! إنها أمه التي كابدت السنين متحملة شتى أصناف السباب واللعان، لما قررت الهروب ذات ليلة شتوية، قاصدة المدينة حاملة أياه على ظهرها، مستنكرة بطش و سطوة جده، الرجل الذي يهابه الجميع، تلك المرأة القديسة التي صمدت وكافحت من أجله، خادمة بالبيوت مستحملة تحرشات أسيادها، مقبلة على الحياة همها تربية إبنها الوحيد.
يتقدم على استحياء بعد أن قل عدد المتجمهرين، لا يدري هل ستتمكن من التعرف عليه، بعد عقدين من السجن تحملتهما من أجله، تتلاقى الأعين الدامعة، يرتمي تحت قدميها ليقبلها تمنعه، وتتلحفه بحضنها الدافىء، لطالما حلمت بهاته اللحظة التي تعانق فيها فلذة كبدها، الذي حال السجن بينها وبينه.
– اشتقت إليك يا والدتي..
– عمري كله فداك ياقرة عيني، ها أنت قد أصبحت رجلا مثل أبيك. الله عوضني عنه بك.
– أعذريني يا أمي، لقد قصرت بحقك، ولم أزرك طوال هاته السنوات.
– لاعليك يا ولدي، لقد تركتك صغيرا، تكابد شرور الحياة وأهوالها وحدك !
– أمي، لقد أكتريت لنا بيتا صغيرا يجمعنا نحن الإثنين، من الآن فصاعدا لن تشتغلي بالبيوت، سأكون أنا سندك و ظهرك. سأعوضك عن ما فاتنا.
يضمها ويسيران جنبا الى جنب، يتجنبان الخوض في السر العظيم، الذي دفناه سويا واكتويا بجحيمه !
هو يعلم جيدا أنه قد ظلم هذه المرأة القديسة، لكن ما باليد حيلة، طيش أطفال.
تتذكر هي تلك اللحظة بكل تفاصيلها، وقتها كانت قد عادت متعبة من شغلها بأحد المنازل، واعترتها الدهشة الممزوجة بالهلع، وهو يستنجد بها بيدين ملطختين بسائل أحمر، طفلها البالغ سبع سنوات والذي تستأمن عليه كل يوم، جارهم الرجل الستيني ” صديق أفندي “.
– ماذا دهاك يا بني؟ لا تبك، أخبرني ماذا وقع لك؟ وماهذا الشيء الذي يلطخ يديك؟
يجيبها بتمتمات، والدموع تنهمر خيوطا من مقلتيه:
– لقد قتلت العم صديق !
لن تدر ماذا أصابها، نزلت ندف من الثلج الباردة على جسمها المحموم، تحاول أن تستوعب الأمر..
– لماذا؟ كيف؟ وأين ؟
– كنا نلعب بفقاعات الصابون،ووو…. لما نفذ الصابون، قال لي أننا سنلعب لعبة جديدة، تكون أكثر متعة من الأولى. أخرج خرطومه ووو..
إنها مؤلمة يا أماه، ضغط علي بكل قوته ولما أكمل، نام …أخدت سكينا من المطبخ …
– لا تسرد شيئا مما حصل لأي كان يابني، عدني بحفظ السر..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى