أدب

قراءة في شعرية الحكمة عند الشاعر العُماني سعيد الصقلاوي

بقلم: أ.د. سامية الدريدي

فاختر طريقك في الحياة تمكنا
إن الطريق يضلل المنقادا


حكمة بليغة في هذا الحيز الدقيق من الكلام فمنطق الحياة يفترض الجرأة و الشجاعة والقوة؛ والقوة هنا قوة إرادة و قوة فعل ولهذا اقترنت بالتمكن أو أفضت غليه لأنه متى كان المرء قويا ذا عزم انقادت له الحياة وأذعنت، وفي المقابل يجد الضعيف الخامل أو الجبان المتخاذل من مصاعب الحياة ومشاقها الكثير؛ بل لأنه لا يملك قوة التدبير والتنفيذ قد يضل الطريق فبدل أن تنقاد له الحياة يظل لها منقادا تتقاذفه أمواجها و تعبث به حوادثها و أخبارها.
ومن اهم وجوه البلاغة في هذه الحكمة أن الشاعر سعيد الصقلاوي اختار الفاظه بدقة واختار المقابلة أسلوبا أجرى عليه المعنى فكانت المقابلة بين التمكن والانقياد وكانت المقابلة بين الاختيار والضلال وكان التناقض جليا بين الطريقين الأول (أو الأولى) لأنه يجوز في كلمة طريق (التأنيث والتذكير) طريق الإرادة و الحرية والثاني طريق الذل والخنوع .

والمهم في تقديرنا أن الحكمة لا تستقيم شعرا ولا تؤثر في نفوس المتلقين إلا إذا صدرت عن ذات شاعرة امتلكت نواصي الشعر من ناحية وخبرت الحياة وتمرست بها من ناحية أخرى. وهما شرطان توفرا في سعيد الصقلاوي فحق له أن يحلق بأجنحة الحكمة في سماء الشعر.
والواقع أن الحكمة بشكل عام تضمن للشعر سيرورته بين الناس و خلوده؛ وذلك لسببين على الأقل: أولهما أن المعاني فيها عامة تتجاوز حدود الزمان و المكان وتخاظب الإنسان في كل أوان.
وثانيهما قيام الحكمة عادة على بلاغة الاختزال وسحر الإيجاز فلا تطويل فيها ولا إسهاب. و هذا بيِّنٌ في شعر الحكمة عند الصقلاوي الذي انطلق في حكمته دون شك من تجاربه الواسعة في الحياة واستلهم ما خبره من صروف الدهر وأحداثه؛ ولكنه تعالى على ذلك كله وسما بشعره إلى فضاء إنساني رحب جاعلا من المعاني قواعد عامة تتجاوز الذات إلى المجموع بل إلى الإنسانية في المطلق.
ولعل النزعة الإنسانية في هذا الشعر وغيره هي ما يبرر قول النبي الكريم “الحكمة ضالة المؤمن”في إشارة بليغة إلى الحاجة الملحة إليها وضرورة السعي وراءها.
بل إن قوله المعروف “إن من الشعر لحكمة “يجعل من الحكمة مقياسا تقاس به شعرية الشعراء فمن بلغ في الشعر شأنا عظيما قال الحكمة وأجاد فيها. وإن استلهمنا شعر الصقلاوي الذي خضنا في شأنه في هذا المقال قلنا إن الشاعر الحق عليه أن يصوغ الحكمة تمكنًا حتى يكون الشعر له منقادا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى