بقلم: عصري فياض
الزمان: السابع من شهر اللَّوز،المكان: المخيم العنيد،المسرح:الاحياء الجنوبيّة الشرقيّة العليا من هذا المترِّد الثائر…الساعة قطعت الثانية ظهرا حتى وصلت الدقيقة الثانية والثلث تقريبا،نخبة من القتلة “المحترفين”،ينسابون بسرعة كالافعي في الحيّ المستهدف…شدة اليقظة والأعصاب المتنبهة،أحست بفحيحهم،فتراكض “الاسمر” إلى صديقه الجميل الذي خلد للنوم قبل ساعتين مع جميل آخر،إستيقضا يقظة مصدوم الذي لم يبلغ الحد الادنى من الارتواء،فقز الاول،وخرج الثاني مرتبكا حافيَ القدمين،أبصروهم،شرعوا بإطلاق النار،رأس الافعى واصل إندفاعه،ثم تراجع،حصل تبادل لاطلاق النار،عاد ثلاثتهم للخلف ليكمنوا في زاوية أخرى،”الاسمر” أفرغ كلَّ مخزنه واندفع للبيت يستل سيفا آخر،بينما تمكن الاول من الافلات من الارتقاء المؤكد،أما هو،فقد عالج فيهم مخزنين،وعندما كاد سيفه أن يَفْرَغْ،واصل المسير إلى الاسفل،فاصدم ببعض أنياب الافعى المختبئة في منزل آخر،فأفرغ فيها بقايا مخزنيّة،لكنَّها سارعته باللدغ،فارتقى…
أحاطوا البيوت الاربع كإحاطة السوار بالمِعًصم،وشرعوا بقذف سمومهم نحو البيت الضيق المتواري خلف الطرقات،وبدأت الدقائق تحكي روايتها…
في هذا المنزل رجل أوجعهم،ثأر لجرح نابلس،واستدفأ في غطاء جنين،دخلوا عليه من المنافذ الثلاث،وتركوا المنفذ الرابع كستار وحماية،وبدأت السهام تنهال حيث كان،ومقذوفات المحمولة على الكتف خلقت لعلاج المدرعات تدك الجدران،تفتح فيه الثغرات،تحت سيل من نار الثائرين،وما ملكت أيدي القابضين،وحول َهذا المكان أو في قلب الحدث أربعة مشاهد :-
ألمشهد الاول
هو
أحس بهم،وهو المتيقظ الفطن،عَمَّرَ ” سيفه “،وإنتصب،وردد ” أشهد أن لا الله الا الله واشهد أن محمد رسول الله”… ” لقد حانت الفرصة وأزفت لحظة الحلم”…راح يترقب فعلهم،يتنقل من مكان إلى مكان في هذا البيت الصغير بكلِّ ثقة،ويده على الزناد،يمطرهم حينا ببعض حبات الموت،وينتقل إلى زاوية أخرى قبل أن يرموا مكانه بكتل النار،هُدم الجدار الاول وتبعثرت حجارته،فما وجدوا له اثرا،أطل عليهم من الزاوية الجنوبية للمنزل،فرماهم وعاد،فصبوا عليه من خوفهم صبا،قدروا مكان وجوده،فرموه بكتل أخرى من النار والانفجار،فتعمق في البيت أكثر،إندلعت النيرات،فخرج منها ليثا فرماهم،وعاد،فعادوا لكتل النار من جديد،بل واستخدموا هذه المرة بعض المعاول،فأسقطوا جدارا ثانيا وسط النّار،وواصلوا اسقاط الجدران حتى ينكشف،كان تركيزهم على الجهة الجنوبية من المنزل…اسقطوا الجدار الثالث وما زال الاشتباك محتدما…إتخذ القرار،لا بد من أخرج عليهم،تقدم منتصبا…أرسل فوهته الي حيث يتمركزون وأطلق لزناده العنان،فرموه بقذيفة افراد،وأكملوا عليه بالرصاص،فإرتقى…نزلت عليه ثلاث حور،دفعت الوسطى منهن اليسرى واليمنى وحملته وابتسم….
المشهد الثاني
في البيت الشرقيّ الملاصق لمكان وجوده
عائلة من تسعة افراد كانت في المكان،من بينهم طفلان صغيران وثلاث نسوة،حشروا في غرفة من البيت،كانت النيران من حولهم،والكتل الملتهبة الصاعقة تلفح وجودهم،وتعصف بآذانهم،لكن ارتجاج الجدران لم يحفز زالزال أنفسهم،بقوا في ترقب عظيم وانتظار يسابق الموت،لكن ما كان يرفع قلقلهم هو خوف الطفلين وارتباكهم،لم يبقى في البيت شباك ولا نافذة إلى وتطاير من عصف الانفجارات وانهمار الرصاص،كان الصاروخ الرابع عشر من الصواريخ الستة عشر عنيفا جدا،فدخلت النّار من نافذتهم لأمتار،فهربوا إلى مكان لعل يكون أكثر أمنا،وانزووا في مرتين مربعين،حتى سمعوا صوت الشبان من الخارج،هناك اصوات لمئات الشبان تتهادى وتقترب…حاول بعضهم الخروج لاستطلاع ألأمر، لكن الخشية من وجود “قناصة ” منعهم،فهم لا يعرفون ما يجري في الخارج ابدا،حتى فتح الباب،ودخل عليهم وناداهم وقال اخرجوا،لقد إنكفؤوا…
خلال تلك المسافة الزمنية،كان الثاني في الغرف العليا لنفس المنزل،يرميهم بحبات من سجيل،ويطوف في البيت كطائر المستحل،عندما خرج والتقى بالمئات قال له احدهم
اتصل بوالدتك فقد فقدت الوعيّ،تظنك قضيت…
فاتصل وطمَّنها وقال لها أنا بخير لا تقلقي،فبرّد قلبها،ولكنها قالت له:-
أريد ان أراك
فقال :- سآتي بعد قليل…
المشهد الثالث
في البيت الغربي الملاصق لمكان وجوده
في هذا البيت الذي يعد إبنه فارسا من أصحاب ذروة السنام،كان يستضيف ثلة من الرياحين،قسم منهم تمكن من الدخول للبيت،وقسم لا زال يصعد الدرج،فدخلت مقدمة الافعى،فعالجوها بالرمي وبحثوا عن ساتر يقيهم سمَّها،فنالت منهم الاخير الذي لم يمضي على قدومه لهذه القلعة أيام،فارتقى… أحد الذين تمكنوا من الدخول للمنزل،لم يحتمل البقاء مع أن النار بدأت تشتعل في المنزل الاوسط المستهدف،فخرج اليهم،وما أن فتح الباب وأطلق العنان لسيفه حتى نالته رصاصات الشهادة،فإرتقى والدم منه يوازي دم الثاني على يمينه الذي لا يبعد عنه اثنا عشر مترا، وهما ممدان بنفس الاتجاه…وعلى يساره جسد مسجى على الارض مرتق على نفس المسافة تقريبا لجهة اليسار.
المشهد الرابع
سيدة في الخمسين
كانت في بيتها لوحدها،زوجها في العمل،وهي لم ترزق بالولد،وبيتها ملاصق لبيته هو من الجهة الجنوبية الغربية،أحست بالخوف من هول ما تسمع،وهي لا تعرف ما الذي يجري،تواصلت مع زوجها عبر الجهاز النقال،فطلب منها الذهاب لبيت شقيقه،فقالت :- لا استطيع الخروج
قال لها :- حاولي حتى لا تبقي مكانك وحيدة…
أخرجت يدها وهي تحمل منشفة صغيرة ليتنبهوا لها ويأذنوا لها بالخروج،فاشهروا عليها البنادق وصرخوا بها … “شيكت”، وأطلقوا نحوها الرصاص،فبقت مئة وخمسون دقيقة تحت منضدة المطبخ كانت أطول من الخمسين عاما…وعندما انصرفوا تركوا لها العذاب والأحزان…
الخاتمة
عندما تقهقروا،نعم تقهقروا تحت وابل الغضب،فهربنا من لفح نيرانهم،عدونا لنفتح الباب،فوقعت أعيننا على الجنة،وعيون الجنة وأهل الجنة،مئات الشبان غطوا كل الطرقات والازقة،يحملون في قبضاتهم الموت،جباههم تتصبب نقمة،وحناجرهم الصلبة تنادي الموت بلا خوف،وصدروهم المرتفعة تتقدم تطارد المنكفئين المتقهقرين بالأزيز والنار…بعضهم يحمل المرتقين في المكان…وآخرون يتفقدون الدمار…
وبالإحساس النابع من هول الحدث ووقع المشاهدة،قارن اليقين بين نار الغزاة وفعلهم وما ملكوا وتجبروا،وقسو،فشعر بأن أهل النار غثاء،رغم ما فعلوا،وأوغلوا،وأن عيون الجنة التي شاهدها في خصمهم من شجعان ذلك المخيم العنيد،عيون تخفي خلفها إرادة من حديد،لا تفنى ولا تبيد،عيون مات الخوف فيها،يربطها بحبل من الجسارة مع قلوب مؤمنة صادقة وفية لن تنكفئ عن خطها حتى يُسحق الغزاة،ويعود مجد فلسطين التليد.