الاحتكاك على الحدود الإيرانية الأفغانية.. سحابة صيف عابرة
بقلم: عصري فياض
تعامل كثير من الاعلام العربي والغربي تقريبا،وفي آن معا مع الاحتكاك الذي جرى الاسبوع الفائت على الحدود الايرانية الافغانية على أنه تطور ينذر باندلاع موجهة أو حرب بين البلدين على خلفية أزمة مياه خرجت للعلن في الفترة الاخيرة خاصة عندما اجتزأ الاعلام كلام الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي حول الامر وأخذه الى جهة التهديد مخفيا جزءا مهما من التصريحات الصحفية للرئيس خاتمي عندما قال ” إذا كان سبب الانخفاض الكبير في حصة ايران من مياه نهر هلمند هي الطبيعة وقلة الامطار فلا جدال،لكنه طالب بإرسال لجنة فحص للأمر،وكذلك تصريحات قدم نفسه انه مسؤول افغاني بالقول أن في حال اخذ القرار بمهاجمة ايران فإن طالبان ستدخل طهران في غضون 24 ساعة !!
وحقيقة الامر أن المسألة تحت السيطرة من قبل الجانبين،وأنها ليست كما سوق لها الاعلام،حيث أن نهر “هلمند” الذي ينبع من جبال “هندوكوش” الافغانية ويتجه للحدود الايرانية ويعبر لإيران ويصب في بحيرة هامون جنوب شرق ايران ويبلغ طوله الف ومئى وخمسين كيلومترا،ويعبر عدة محافظات افغانية منها “وردك و باميان و أروزكان و هلمند “،ومحافظتان ايرانيتان وهما “سيستان وبلوشستان”قد نظمت علاقة الاستفادة من النهر بين البلدين في اتفاقية وقعت في العام 1973 من القرن الفائت في زمن محمد ظاهر شاه حاكم افغانستان في ذلك الوقت،والتي تنص فيما تنص على أن تكون حصة ايران من النهر 820 مليون متر مكعب،وبسبب السدود التي اقامتها طالبان والحكومات السابقة،وبسبب الجفاف وقلة الامطار كما يقول الافغان،فقد عبر من المياه لايران العام الفائت 2022 ، 8 الاف متر مكعب،أي ما يوازي 1% تقريبا من حصتها حسب الاتفاق،وقد يكون السبب ان الاتفاق يتضمن تعهد ايران بتزويد افغانستان بالكهرباء،ويبدو ان الافغان استغنوا الى حد ما عن ذلك لأنهم قاموا ببناء سدود على النهر،وأقاموا محطات توليد طاقة كهربائية.
وقد حصلت مواجهة محدود قبل ايام بين حرس الحدود من كلا الجانبين،تقول مصادر ايرانية انها بدأت عندما لاحظ حرس الحدود الايراني في تلك المنطقة مجموعة من عصابة لتهريب المخدرات تريد عبور الحدود ودخول ايران فتصدوا لها،فقام بعض اعضاء حركة طالبان في المنطقة بالقيام بفتح النار على حرس الحدود الايراني ظنا منهم أنهم يهاجمون عناصر طالبان،وقد اسفر الاشتباك المحدود عن قتيلين ايرانيين وإصابة اثنين من المدنيين،ومقتل عنصرين من طالبان،وقد توقفت المواجهة بسرعة،وعادت الامور كما كانت قبل المواجهة.
ولكن بعكس توقعات بعض الاعلام العربي والغربي ورجال السياسة والمراقبين والمحللين،إتجاه العلاقة بين البلدين هو أقرب للتعاون وتخطي العقبات والإشكاليات منه إلى التصعيد والمواجهة بالرغم من الخلافات العقائدية السابقة للأسباب التالية :-
· أولا: بعد نحو سنتين من عودة طالبان لحكم افغانستان،طالبان الان تخوض معركة واسعة للحصول على اعترف دولي بعد أن غيّرت من سياستها التي كانت تتبناها منذ اكثر من عشرين عاما تقريبا،وإيران كانت الدول القليلة جدا التي اعترفت بها بعد الصين وقطر والى حد ما روسيا،وهي تتطلع لاعتراف الدول خاصة الدول الشرق اوسطية.
· ثانيا :- هناك خمسة ملايين لاجيء افغاني في ايران يعيشون حياتهم في ايران بنفس الحقوق التي يحصل عليها المواطن الايراني،وهذا مريح لقيادة طالبان،ولن تكون معنية بقيام ايران في ترحيلهم الى وطنهم في حال اندلعت موجهات او حرب بين البلدين.
· ثالثا : تعتبر افغانستان الجسر الرابط بين الصين وايران،فهي جزء من الحد الغربي للأولى وايضا جزء من الحد الشرقي للثانية،وإذا كان مشروع إحياء خط الحرير قد تجنب المرور بالاراضي الافغانية بسبب الحالة الامنية والاضطراب خلال العقود الفائتة،فإن استقرار افغانستان وهي تعاني أوضاعا اقتصادية صعبة،لهي بأمس الحاجة للاستقرار الذي يضمن أن تكون ممرا لطرق خط الحرير التجارية املا في الكسب الاقتصادي.
· رابعا : حفاظت ايران على حيادها فيما يخص وجود معارضة افغانية لحكومة طالبان،سواء كانت معارضة دينية “مجموعات احمد شاه مسعود “، او وطنية معارضة،بالاضافة أن ايران لم تحرك أو تفعل قبائل الهزارا الشيعة الافغان الذين يشكلون نحو 9% من عدد السكان ضد طالبان بالرغم من ولائهم الكبير لايران.
· خامسا : لم تتصرف ايران بردة فعل عسكرية في العام 1998 عندما قامت عناصر من حركة طالبان بدخول مدينة مزار شريف وقتلت 10 من اركان القنصلية الايرانية وصحفي ايراني،لان طالبان وقتها بالرغم من تشددها في ذلك الوقت عزت ذلك التصرف لمجموعة منفلتة عنها تصرفت من تلقاء نفسها،وكان ذلك التعليل المبرد الذي منع حصول مواجهة كبيرة بين طالبان والحرس الثوري والجيش الايراني الذي احتشد على الحدود الشرقية مع افغانستان.
· سادسا : ظهر ان المسؤول الافغاني الذي هدد باحتلال طهران هو مفصول رسميا،وقد تعرض للتأنيب والتوبيخ من قيادات حركة طالبان والحكومة الافغانية على اصدار مثل تلك التصريحات.
· سابعا : هناك تواصل بين البلدين بخصوص ارسال بعثة فحص ايرانية الى افغانستان للاطلاع على السبب الحقيقي وراء تدني انسياب حصتها من النهر،وطالبان وحكومتها تتعامل مع الامر بإيجابية،لان ذلك من جوهر الاتفاق الذي نظم علاقة الجانبين بهذا الشأن في العام 1973.
· ثامنا : ايران التي تعمل على فك عزلتها وكسر الحصار والعقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية،والتصدي للتهديدات الاسرائيلية صباح مساء،عملت وتعمل على توثيق وتبريد علاقاتها مع دول الجوار والمحيط سواء كانت شرقية مثل الباكستان وافغانستان والهند والصين او عربية مثل السعودية ودول الخليج ومصر،وتركيا ودول الشمال مثل طاجكستان وقريزيستان وقزخستان وتركمانستان وأوزباكستان وجورجيا وارمينا،ليست معنية ولا بأي شكل من الاشكال في توتير علاقاتها مع افغانستان،لان ايران بحاجة لأفغانستان هادئة مستقرة هي اقرب عليها من الدول التي تكابدها العداء،بالمقابل حكومة طالبان هي بأمس الحاجة للمساعدة الايرانية في المجالات كافة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا.
من هنا،ولهذه الاسباب،لا يمكن توقع حدوث مواجهات أو حرب بين البلدين،وأن ما جرى لا يعتبر إلا سحابة صيف عابرة.