أدب

قراءة في ديوان: “نداء من القلب” للشاعرة المقدسية دولت الجنيدي

بقلم: رفيقة عثمان
صدر كتيّب من الشّعر، بعنوان “نداء من القلب”، وهو المولود الأوّل للشاعرة دولت الجنيدي.
كُتيّب الشعر، من القطع الصّغير، أوراقه ذات جودة عالية، وصورة الغلاف، مرسوم عليها بعض الزهرات الحمراء لعصا الرّاعي، وكذلك كتابة العنوان ملوّنة باللّون الأحمر والأسود، والخلفيّة يسودها اللّون الرّمادي؛ ومن المُلفت للإنتباه، لم يُذكر اسم دار النّشر، ولا اسم مُصمّم الغلاف.
احتوى الكُتيّب على تسع عشر قصيدة، ما بين الشّعر النثري الحُر، باللّهجة العاميّة؛ والقصائد الموزونة والمُقفّاة. “نداء من القلب” هو عنوان يحمل في طيّاته العاطفة المُتأجّجة، عبّرت عنها الشّاعرة، نحو حبّها لأسرتها القريبة، من الزّوج، والأبنات، والأبناء، وكذلك الأحفاد.
دافع الحب القوي في قلب الشّاعرة، دفعهالتخطّ قصائدها العاطفيّة، بقلم متدفّق بالمحبة، والابتهالات إلى الله؛ ودعواتها لكلّ فرد من أسرتها بالتّوفيق والسّداد في حياتهم، ومستقبلهم.
لم تُوفّر الشّاعرة مناسبة سعيدة إلّا ونظمت فيها عبارات الحب؛ مثل: مناسبات، ولادة حفيد جديد، أو ذكرى ميلاد أحد من أسرتها، أو تخرّج أبنائها، وأحفادها. وذكرى ميلاد زوجها أيضًا.
من خلال القصائد، يستشفّ القارئ نفحات من الإيمان القوي، ونداءات من القلب، مفعمًا بالدّعاء، وذكر الله، والرّسول في معظم القصائد. كما ورد صفحة 14 ” إن شاء الله رشيد بيكبر”، كذلك صفحة 15 “إن شاء الله تعيشي يا تمارا”، صفحة 62 ” وبحفظ من ربّي يبقى.. وعليه هو يسبغ نعمته”؛ كذلك قصيدة ” ابتهالات” صفحة 52 ” وهل لي سواه واسع الرّحمات.. وأشكره شكر المُقرّ بفضله… فتزداد من أفضاله حسناتي… وإنّ رضاهغاية النّفس والهوى.. وحبّي لربّي غاية الغايات.” هذه القصيدة كلّها متوشّحة بالأدعية، والمناجاة إلى الله.
ساد الحس الوطني والغيرة على المكان والإنسان الفلسطيني، في معظم القصائد، ولم تنسّ الوطن، والعودة إليه بعد الغربة، والأماكن المقدّسة، الّتي حظيت باهتمام كبير من الشّاعرة مثل المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي في الخليل مسقط رأس الشّاعرة دولت الجنيدي كما ورد صفحة 44 في قصيدة ” في ذكرى مذبحة باروخ غولدشتاين للمصلّين في الحرم الإبراهيمي” قائلة: ” صادرته إسرائيل في يوم نحسِ …. المُصلّون فيه قد قتلتهم .. بدمٍ بارد ومن غير حسّ”. كذلك صفحة 64 “ويلتقي مسجدنا الأقصى .. بجامع الجزّار”. كما دعت الشّاعرة للعودة للوطن بعد غياب مهما طال كما ذكرت صفحة 18 ” يا تاتا بحلف يمين .. على وطننا راجعين .. ونعيش إن شاء الله بقربكم .. في وطننا أحلى سنين.. ونزرع على أرض بلادنا فل وياسمين”.
ذكرت الشّاعرة حول حماية الأقصى، وعدم الاهتمام بنجدته من قِبل زعماء الدّول العربيّة، ونعتتهم بالمطبّعين كما ورد صفحة 64 ” والقوم ها هنا لاهون … غايتهم أن يملأؤوا البطون… في غيّهم وفي الضّلال يعمهون .. من عهرهم مع العدا يُطبّعون… ولا يرفّ جفنهم أو يخجلون.”
استخدمت الشّاعرة تناصًّا دينيًّا لفعل يعمهون، هذا الفعل ورد في سورة البقرة (15)، قال الله عزّ وجل: “الله يستهزئ بهم ويمدّهم وهم لا يعمهون” معنى يعمهون: يتردّدون ويتحيّرون. ذكرت كلمة يعمهون خمس مرّات في القرآن الكريم ( الموقع الإلكتروني).
لا شكّ بأنّ لغة الكتيّب اتّسمت باللّغة الرّصينة والسّلسة، ذات صفة لحنيّة يسودها التّنغيم والإيقاع والنبر؛ خاصّةً القصائد في نهاية الكتيّب، تتّصف بالقوّة، على غرار القصائد المذكورة في بداية الكتيّب، والّتي عبّرت عنها شاعرتنا باللّهجة العاميّة، على سجيّتها، دون الاهتمام بالوزن واللّغة الفصحى. يلاحظ القارئ مدى التغيير في تطوّر القصائد وفق مراحل مختلفة من الزّمن، من البدايات ولغاية النهاية.
راقت لي قصيدة صفحة 39 بعنوان: “إلى زوجي عز الدّين أبو ميزر في عيد ميلاده الثّمانين”؛ والّتي عبّرت فيها شاعرتنا عن مشاعرها بصدق وحب وتفانٍ، لزوجها وأسرتها المُحبّة قائلةً: ” يا ابن الثّمانين من عمرٍ قطْفْتَ به… أحلى الرّياحين هامت في مغانيها”، “أشعر حبّك لي في الصّدر أوسمةٌ .. وتاج على رأسي أعلّيها”، ” وأنت يا زوجي الغالي وتاجهم… وأنت جوهرتي والله يحميها.”.
تعتبر هذه القصيدة غزليّة جميلة من زوجة لزوجها، الّذي ساندها ودعمها في إصدار كتيّب الشّعر الجديد، لكونه شاعر متمكّن أيضًا. كما ذكرت الشّاعرة بكلمة إهدائها لزوجها قائلةً: ” إلى زوجي الحبيب الدّكتور والشّاعر عز الدّين أبو ميزر الّذي زادني حبًّا في الشّعر، وهويتلو عليّ أشعاره أثناء تأليفها ويأخذ برأيي في أشياء كثيرة، وهو الأعلم منّي..”.
خلاصة القول: “نداء من القلب” كتيّب الشعر، والوليد الأوّل للشاعرة الفلسطينيّة دولت الجنيدي، ينبض بالعاطفة القويّة، وبالحياة، والحب، والحنان والعطاء، من قلب مؤمن وصادق، هذا الكُتيّب يبشّر بولادة شاعرة مقدسيّة فلسطينيّة جديدة، وأبارك لها هذا الإصدار.
اتمنّى للشّاعرة دولت الجنيدي، المزيد من العطاء والإبداع.

تمّت بحمد الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى