ضاعت الغيرة وذهبت النخوة!

د. أحمد الطبّاخ
عندما تذهب الغيرة ولا يبقى في وجوه الناس حياء ولا نخوة فلن يبقى سوى الخنا والزنا تتكشف العورات ويذهب الاحترام ولا مكان للإحترام والتوقير بين الناس فالله يغار ولا يحب من لا يغار ويرضى الدنية في دينه وعرضه ويكون قد وصل المجتمع كله إلى القاع والانحطاط ولم يعد الطهر والسمو له موضع في دنيا الناس والاحساس شيء أساسي في گل إنسان فطر على فطرة النقية وذاق طعم الإيمان الذي هو الدرع الواقي والدافع السامي إلى المعالي والتفاني في البذل والعطاء والتضحية في سبيل الفوز بالجائزة الكبرى وهي أن يكون بين الناس سميا بعرضه وكرامته لا يرضى فيهما الدنية مهما كان الثمن ولكن الاستعمار عمل بكل طاقته وبما استطاع إلى ذلك سبيلا على أن يصل الناس إلى الانحطاط الأخلاقي والتفسخ الاجتماعى والتحلل من كل فضيلة والتخلي عن كل مكرمة حتى لو كان عرضا مصونا وكريمة في خدرها ورجلا رأس ماله من الدنيا غيرته على حرماته وصون بناته ودونهما الفتل والفناء فماذا بقي بعد أن يصل الأمر إلى هذا الافساد على شاسات الفصائيات ومواقع التواصل من الجهر بانتهاك الحرمات التبجح بتقبيل النساء حتى ذهبت الغبرة على النساء وحل محلها الدياثة التي هي مرتع وخيم وعاقبته الخراب والضياع والتحلل من مكارم الأخلاق من أجل دراهم معدودات في عالم مادي لم يعد يعبأ بفقير شريف ولا بخلق كربم ولا بشامة رجل عزيز ولا أنفة هؤلاء الذين أبت تربيتهم إلا أن يحافظوا على ذلك.
ففي مشهد ختامي في احدى المسلسلات! يقوم ممثل شهير فيعانق ممثلة بكاميرا عظيمة يجلس خلفها مخرج هو (زوج البطلة) المتشبثة برقبة الممثل !! يتابع زوجته في أحضان غريب يتحسسها ويتلمسها وهو خلف الكاميرا يعدل لهم أوضاعهم لتوصيل رسالته السامية دراميًا !!! هذا هو الفن أم هذه الدياثة في أنصع صورها وأبدع منشئها وراعيها عليه من الله ما يستحق فأين هذا من العصر الجاهلي الذي لم يحدث فيه هذا المشهد الديوثي الذي لا يرتضيه أعرابي جاهلب إذ كانت الغيرة على النساء تجري في دمائهم وتجعلهم يقتلون من أجل تلك الأعراض وذلك الشرف المصون.
يحكى أن أعرابياً في الجاهلية زُفّت إليه عروسه على فرس، فقام فقتل تلك الفرس التي ركبت عليها العروس، فتعجب الجميع من حوله وسألوه عن سرِّ عمله!!
فقال لهم: خشيت أن يركب السائق مكان جلوس زوجتي ولا يزال مكانها دافئاً !
بل دفع أحدهم الأموال الطائلة حتى لا تتكشف زوجته أمام القاضي غيرة عليها وهكذا هي أخلاق الرجال الذين تنبض دماؤهم بالشهامة والمرءوة على أعراضهم ؛ فممن أغرب الأمور التي تريك فعلاً كم كانت الغيرة موجودة أن امرأة تقدمت إلى مجلس القاضي موسى بن إسحاق بمدينة الريّ سنة 286هـ فادّعى وكيلها بأن لموكِّلته على زوجها خمسمائة دينار (مهرها)، فأنكر الزوج فقال القاضي لوكيل الزوجة: شهودك.
قال: أحضرته، فطلب بعض الشهود أن ينظر إلى المرأة، ليشير إليها في شهادته .
فقام الشاهد وقال للمرأة: قومي.
فقال الزوج: ماذا تفعلون؟
– قال الوكيل: ينظرون إلى أمرأتك كى يعرفوها ”
قال الزوج: إني أُشهد القاضي أنّ لها عليّ هذا المهر الذي تدّعيه ولا تُكشف عن وجهها.
فقالت المرأة: فإني أُشهِد القاضي أني وهبت له هذا المهر وأبرأتُ ذمته في الدنيا والآخرة.
فقال القاضي وقد أُعجِب بغيرتهما يُكتب هذا في مكارم الأخلاق.
في مجتمعنا الآن .. الشخص الذي يتحلى بالغيرة ” يسمونه دقة قديمة … متزمت … ومتخلف لا يعرف عن المدنية الزائفة شيئا وإنما هو يعيش حالة مغايرة لعصره فالأخلاق والمبأدىْ لا تتجزأ ….الانسان الذي عنده كرامة ونخوة هو من يقدر أن يصون بيته وأهله…وإذا أردت أن تعرف حقيقة الرجل فانظر إلى غيرته .. فاليوم اصبحت الدياثة تقدماً والشرف تخلفا..



