لا تقصص رؤياك ” تأويل الواقع بالرؤيا”  للكاتب عبد الوهاب الحمادي

منذر السعيدي| كاتب وباحث|   سلطنة عُمانرواية لا تقصص رؤياك للكاتب الكويتي عبد الوهاب الحمادي، رُشحت للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الثامنة للعام 2015، ولسوء الحظ لم أقرأها الا قبل عدة أيام، وإن كنت تأخرت كثيراً في قراءتها اذا نظرنا للفترة الزمنية منذ صدورها وترشحها الى حين قراءتها، إلا انها رواية تستحق القراءة أكثر من مرة كما نوه بذلك الكاتب بين سطورها وتحديداً في الصفحة 235.

لا تقصص رؤياك هي مزيج بين القضايا الاجتماعية والسياسية تتخللها وصلات شبه بوليسية مثيرة. ويمكن القول أنها مجموعة من الحكايات تتداخل مع الحكاية الرئيسة لبطلها بسام الذي يعمل في شركة عمه وتستحوذ على لبه فتاة رمز لها ب (ن) أو كما يطلق عليها بعض الموظفين من زملاء بسام (مبارك وأصدقائه) فتاة البوم أو البومة. بطل الرواية بسام كان يعيش حياة رتيبة رغم ما يصاحبها من ترف وبذخ على السيارات الرياضية واليخوت والأسفار  بين حين وآخر إلى أن ظهرت الفتاة (ن) وأخذت بيده الى عالم آخر لم يعتد عليه، ولم تطئه قداماه، وهو عالم الحكايات الذي يصنعه خوسيه ساراماغو في روايته كل الأسماء.

توحي الصفحات الأولى للقارئ أن الكاتب بصدد كتابة ساخرة لا تمنح قارئها أكثر من جرعة هزلية، للترويح عن الذات في عالم غدت الكوارث فيه وجبة يومية، ومع توالي الصفحات ينسج الحمادي خيوطه لتستحوذ على انتباه القارئ وتدخله في نسق سريع في حدود شخصياته وتفاعلاتها، وتجرجره شيئاً فشيئاً نحو عوالمها المختلطة تارة بالهموم والمناكفات الاجتماعية، والصراعات والعقد الفرويدية التي خلفها الزمن على جدران اللا شعور تارة أخرى، وصولاً الى الفضول واللذة الطفولية ساعة اعلان القلب حالة حب جديدة.

يصور عبد الوهاب الحمادي في روايته بعض أوجه الواقع السياسي للمنطقة، والمشهد الذي كان يعيشه وطنه إبان الربيع العربي، وما أحدثه من شروخ في كيان الدولة، والتوتر الذي طغى على تعاملات الناس، وما تتخلله النفوس من أطماع وانتهازية وتقلبات وتلونات مع ما تقتضيه المصلحة الآنية الخاصة دون النظر الى الغايات النهائية، وذلك بالغوص في الرؤى ومحاولة تأويلها، ومن ثم اسقاطها على حياته وحياة من يحيطون به من أصدقاء وزملاء وغيرهم.

عكف الحمادي بين صفحاته على نقد الوضع الذي آل إليه بلده في الأعوام المنصرمة بشكل لاذع على لسان شخصيته يوسف، ومدى التقهقر الذي غدى عليه الحال بعد سنوات من شبه حرية كان يتمتع بها المجتمع الكويتي في القرن الماضي، وآثار الاستبداد وما يخلفه في نفوس البشر، والجروح الغائرة في الروح جراء الظلم وتغييب المساواة، والتمييز المذهبي والقبلي إمتداداً الى الحقوق والمميزات التي يتمتع بها الفرد وفقاً للاعتبارات السابقة.كما تمنحك الرواية تصور للتصنيف المجتمعي والطبقية والفوارق التي أوجدها نسيج المجتمع نفسه، والعقبات التي بناها بيده بين أبناءه، وسوء استغلال السلطة والنفوذ للتحكم بمصائر الآخرين، والقفز على القانون ممن يفترض أنهم يمثلونه. كما أنه يسلط الضوء على شخصية –مفسر الأحلام- الذي يستغل قلق الناس وتوترهم، لتحقيق مكاسب ومنافع شخصية بطريقة ماكرة.

رواية لا تقصص رؤياك رواية كويتية تنطبق تفاصيلها على دول عربية كثيرة، فهي تعري واقعنا العربي بلغة سهلة وبسيطة بعيدة عن التكلف والتحذلق اللغوي وفق تسلسل متقن ينقل قلق الشخصيات إلى القارئ، وتحاكم عقدنا النفسية والاجتماعية أمام مرآة لا تعرف التحيز، وتحفز المخيلة على نسج المشاهد والأحداث، وترفع منسوب الرغبة على اكتشاف المزيد من عوالم هذه الشخصيات الذي أبدعها الحمادي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى