فيصل القاسم بلا رتوش
بقلم: علي جبار عطية
تتقبل أسلوبه أو ترفضه، تشعر نحوه بمشاعر إيجابية أو تكن له مشاعر سلبية، قد تتفق معه أحياناً وتختلف عنه كثيراً لكنَّك لا يمكن أن تتجاهل شخصيته الجدلية وتحريكه الراكد في مجتمعاتنا، بل لعله كان سباقاً لمن جاء بعده من مقدمي البرامج الذين حاولوا تقليده، ولم ينجحوا إلا بحدود ضئيلة لكنهم حققوا شيئاً من مكاسب الانتشار والتداول. ذلك هو فيصل القاسم.
على مدى ثلاث ساعات من الحوار معه من دون فواصل إعلانية وبلا رتوش تحدث عن رحلة كفاحه على منصة (أثير) في ضيافة الإعلامي الكويتي شعيب راشد الذي له الفضل في استقطابه ليتحدث عن محطات حياته، فضلاً عن إيقاظه بعض القضايا محل الخلاف التي طرحتها الحلقات القديمة من أشهر برنامج حواري جدلي له وهو (الاتجاه المعاكس)، وجعلها متداولةً على موقع اليوتيوب برغم مرور أكثر من عقدين ونصف على إثارتها .
أضع في هذا المقال أهم ما ورد في هذا الحوار الصريح الذي بدا فيه القاسم كأنَّه يعطي الأمل لكل راغب في تحقيق شيء من النجاح مهما كانت قدراته محدودة.
بدأ فيصل القاسم حكايته من قرية سويداء التي تقع على بعد مئة كيلو متر جنوب دمشق، وعمله مبكراً في الزراعة والحدادة والنجارة وأعمال البناء لكسب قوت يومه .
أما في الدراسة فيعترف أنَّه كان ضعيفاً في المواد المقررة خاصةً في اللغة العربية إلى درجة أنَّ أحد معلمي اللغة العربية في المرحلة الثانوية أوصاه أن يتعلم صنعةً كصبغ الأحذية !
لم يقل أنَّ أباه كان مزارعاً أو يمتلك ثروةً بل كان فلاحاً بسيطاً ثروته في عائلة عدد أفرادها أحد عشر ذكراً وابنتان، يميلون إلى الفن منهم المغني مجد القاسم الذي سطع نجمه في مصر .
ظل الفقر والضعف العلمي يتقاسمان حياة القاسم حتى أكمل البكالوريا لينجح الأول على المدرسة، ويُقبل في جامعة دمشق /كلية الآداب /قسم اللغة الإنكليزية.
تستمر معاناته وعجزه عن توفير وجبة طعام واحدة في الجامعة برغم عمله اليومي حتى أنه سرق من أحد زملائه في الكلية ملعقتي حليب يسد بهما غائلة الجوع !
لكنَّ المعاناة تثمر عن نجاحه الباهر في الجامعة بتفوق ليكون الأول، ويُعين معيداً في الكلية ثم يحصل على بعثة دراسية إلى لندن لدراسة الماجستير، وبعد ثلاثة أشهر يوصي أستاذه بترحيله إلى مرحلة الدكتوراه فتكون أطروحته في المسرح الإنكليزي السياسي وتستهويه ثيمة (ضرب المقدسات) فيختارها موضوعاً لأطروحته .
أما دخوله إلى عالم الإذاعة والتلفزيون والـ أم بي سي والبي بي سي والجزيرة فلها حكاية، بل حكايات إذ كان مغرماً منذ صباه بالأصوات الإذاعية حتى إذا دُعي إلى حفل نهاية سنة ١٩٨٩ في مبنى الـ بي بي سي الإذاعة العريقة بلندن وجد حلمه في طريقه إلى التحقق حين دعي للعمل في إعداد البرامج وتقديمها على مستوى التجربة فيظهر ضعفه في اللغة العربية الذي يتداركه بتعلمها من كتب إنكليزية فيختبر وينجح في الاختبار ويكتب له عقد بأربع سنوات ويحصل على راتب ضخم ينسيه الفقر لا الفقراء والمسحوقين والمغلوب على أمرهم، وهو يدافع عن نفسه أنَّه لم يقف مع صدام حسين إنّما وقف مع الشعب العراقي المحاصر .
أما برنامجه الشهير (الاتجاه المعاكس) الذي يقدم منذ ٢٧ سنة على قناة الجزيرة فيقول : إنَّه بدأ فكرةً منذ أن افتتحت القناة في الأول من شهر تشرين الثاني سنة ١٩٩٦، ولم يفرض عليه أي شيء، وكان بإمكانه أن يجعله برنامجاً أكاديمياً جاداً لكنَّه لن يحقق مشاهدات كما يحققها بهيأته التي صار عليها، وعرف بها لكنَّ القاسم وصف المشاهدين بأنَّهم منافقون يهاجمون البرنامج، مع أنَّهم يشاهدونه كاملاً.
وعن أبرز الحلقات التي قدمها أشار إلى أنَّ أقوى الحلقات كانت عن مجلس التعاون الخليجي، وكذلك الحلقة التي جمعت المفكر العلماني صادق جلال العظم والداعية الإسلامي يوسف القرضاوي ، كذلك الحلقة التي جمعت الشيخ محمد الفزازي والدكتور عبد الحسين شعبان، وقد تكرر ظهور الشيخ محمد الفزازي في البرنامج حتى حكم عليه بالسجن ثلاثين سنة ٢٠٠٣ بتهمة التحريض بعد حدوث خمسة تفجيرات في الدار البيضاء بتاريخ ٢٠٠٣/٥/١٦ وصفت بأنَّها أعنف تفجيرات انتحارية في تاريخ المغرب نفذها ١٢ انتحارياً أودت بحياة ٣٣ شخصاً، واستهدفت مطعماً سياحياً وفندقاً وقنصلية بلجيكا فضلاً عن مقبرة يهودية.
لكنَّ الفزازي خرج بعفو ملكي سنة ٢٠١١،كذلك من الحلقات المهمة الحلقة التي جمعت الكاتبة المصرية صافيناز كاظم والسياسية الأردنية توجان الفيصل عن تعدد الزوجات، وفيها مشهد حصد عشرات الآلاف من المشاهدات حين انسحبت صافيناز كاظم من الحلقة قبل عشر دقائق من انتهائه فقال لها القاسم : نحنُ على الهواء؟ فأجابته : إنْ شاء الله نكون في القمر ! ومن أبرز ضيوف البرنامج يذكر : محمد عمارة، وعلي عقلة عرسان، وعايد المناع، وأحمد الربعي، ومحمد جاسم الصقر، ونصر حامد أبو زيد ومحمد الرميحي، ومن اللقاءات المهمة التي أجراها لقاؤه بمعمر القذافي، وفيدل كاسترو، وحسن نصر الله، وصدام حسين.
يعترف القاسم فيقول : لستُ محايداً، وأكون مع الطرف الضعيف لكي لا تسقط الحلقة، وبهذا يقطع الطريق على مَنْ كان يتهمه بأنَّه يترك أحد ضيفيه يسترسل بالكلام بينما يقاطع الضيف الآخر في أول مداخلته !
وفي الكتابة يقول : أكتب لأتعلم،وأحذف التغريدات لأسباب سياسية.
يتخذ القاسم دور الناصح فيقول :
لا تعادِ صاحب قلم .
لا تعادِ من يحمل مايكرفوناً.
لا تراهن على مواقع التواصل الاجتماعي طويلاً لأنها ستكون معبرة عن وجهة النظر الغربية.
وعن مساحة الحرية التي يتمتع بها في التقديم يذكر نصيحة للشاعر ممدوح عدوان يقول فيها : في الإعلام يحاولون أن يضعوك في دائرة فلا تجلس في منتصفها لأنَّهم سيضيقون عليك الدائرة أكثر، وحاول أن تجلس في الطرف، وترفع السقف، وتوسع الدائرة.
يرى القاسم أنَّ خوارزميات مواقع التواصل هي رئيس التحرير الذي يسمح لبعض المنشورات بالظهور ويمنع بعضها.
وأنَّ الذكاء الاصطناعي قادم، وسيعيد ترتيب إعدادات البشرية، وهو خطير عليها، وهناك من يتحدث عن مرحلة (ما بعد البشر).
يختم حواره الطويل بقول المؤرخ هراري : إنَّ الذكاء الاصطناعي خطير على البشرية بخطورة القنبلة النووية وأكثر.