العلاقات التركية العربية في الميزان: (أحلام رحومة ومحمد أغلو) وجهًا لوجه

مقابلة بين الباحثة التونسية أحلام رحومة والباحث محمد قدو أوغلو حول العلاقات التركية العربية

س1: لو تعطينا لمحة حول تاريخية العلاقات التركية العربية وجذورها

من المعلوم أن التاريخ العربي التركي المشترك بدأ بعد قيام الدولة الإسلامية واتساع نطاق الفتوحات الإسلامية وشمولها أراضي بلاد الترك في أسيا الوسطى وهي أصل معظم سكان الأناضول الحاليين وبعض الأقاليم التركية  .

مما يعني أن العلاقات التركية العربية بدأت مع بزوغ فجر الإسلام والرسالة المحمدية الخالدة وتوالت أيضا تلك العلاقات بعد الفتوحات الإسلامية المباركة التي شملت الأراضي التركية الحالية وتوجت بالوصول إلى أسوار القسطنطينية .

كانت فترة السلطنة العثمانية هي خير دليل على التعايش الطبيعي بين العرب والأتراك لمدة أربعة قرون في معظم الدول العربية ومنها العراق وبلاد الشام والأراضي المقدسة والحجاز ومصر وشمال الغرب الافريقي، وكانت تحترم فيها خصوصيات تلك البلدان من قبل السلاطين والولاة العثمانيين وكان هناك فرضيات إسلامية وإنسانية وأخلاقية بالمحافظة على تلك الولايات العثمانية من الطامعين الغربيين وأطماع الدول الأقليمية مثل اطماع الفرس، مثلما كانت هناك مؤازرة من بعض الإمارات العربية  لنجدة بعض الولايات العثمانية وكما حدث مع قيام إمارة عمان (سلطنة عمان) في الدفاع عن ولاية البصرة الولاية العثمانية من هجومات حكام الفرس.    

بعد قيام الجمهورية التركية على أنقاض الدولة العثمانية أثرالزعماء الأتراك عدم الخوض في معظم أحداث المنطقة لأنهم كانوا منشغلين تماما ببناء دولتهم التي أستطاعوا تحريرها من دول الحلفاء بريطانيا وفرنسا واليونان  بعد الحرب العالمية الاولى التي احتلت من قبلهم بعد انهيار الدولة العثمانية وشملت معظم الأراضي تركيا الحالية وحتىعاصمة الخلافة العثمانية اسطنبول.

استمر الوضع الداخلي التركي بعدم الانفتاح على الخريطة الجغرافية العربية لفترة طويلة، نتيجة الأوضاع الداخلية التركية عاكسا عدم وجود رغبة حقيقية من قبل المسؤولين الاتراك والمسؤولين العرب معا في تطويرها أو ببناء أساسات قوية تمهد لذلك.

وهذا لايعني عدم وجود علاقات طبيعية أساسها المصلحة المتبادلة بين الطرفين واحترام سيادة دولهم، كما لاتعني عدم وجود مبادرات حقيقية بين المسؤولين لتطويرها، ومنها على سبيل المثال الرسائل التاريخية بين الملك فيصل الأول ملك المملكة العراقية والزعيم مصطفى كمال بعد الزيارة التاريخية للملك فيصل للعاصمة التركية انقرة عقب اقامة علاقات دبلوماسية بين الدولتين بمبادرة من الجانب التركي، تلك الرسائل التي كانت توحي ببدء علاقات فريدة متميزة بين الدولتين مستقبلا.

****

. س2:صورة تركيا ونفوذها قبل رجب طيب أردوغان وفي ظلّ حكمه لو تفسرها للقراء؟

الحديث عن صورة تركيا ماقبل عهد حزب العدالة والتنمية ومابعد عهد حزب العدالة والتنمية هو كالحديث عن مرحلتين متباينتين تماما ومتعاكستين ، وكما أسلفنا لم تتوضح تماما مبادرات حقيقية لتطويرها بين الاتراك والدول العربية من قبل الطرفيين تارة بسبب الانشغالات الداخلية والمشاكل والحوادث وتارة أخرى لعدم وجود جدوى من تطويرها لافتقار تركيا إلى التطور العلمي والاقتصادي والتقني والعسكري والخدمي .

بعد استلام حزب العدالة والتنمية ومنذ السنوات الاولى تحققت واحدة من أكبر مبادرات  التحول الديمقراطي  في تاريخ تركيا وخصوصا بعد مضي السنوات الثمان الأولى بعدما نجحت فيها قيادة حزب العدالة والتنمية من طرح ستة وعشرون مادة دستورية دائمة وثلاث مواد دستورية مؤقتة للاستفتاء الشعبي عام 2010 والتي كانت عبارة عن الخروج من عنق الزجاجة العسكرية التي أدخلت بها تركيا طيلة العقود الماضية والتي تلت تاسيس الجمهورية، تلك التي أطلق عليها نظام الوصاية العسكري والتي كانت تعبر عن وجودها وعن نفسها بالانذارات العسكرية أو بالانقلابات العسكرية  ضد الحكومات المدنية التي حاولت الخروج من تحت  العباءة العسكرية.

ومن الطبيعي أن أحد أوجه التطور المهمة تلك التي تنعكس عليها التطور الاقتصادي، فألأصلاحات التي حققتها تركيا طيلة الثمانية عشر الماضية وهي عمر حزب العدالة والتنمية في الحكم بقيادة الرئيس أردوغان في مجال أرساء الديمقراطية وحقوق الانسان قد تمت بالتزامن مع المؤشرات الاقتصادية الكبيرة التي شهدتها الساحة التركية.

حيث لابد أن يتزامن تحقيق أصلاحات وتغيير جذري وجدي وحقيقي  في بيئة لاتتوفر فيها مؤشرات تنامي قدرات اقتصادية واضحة تخدم تطلعات الانسان والمجتمع والدولة.

إن الفترة التي أعقبت استلام حزب العدالة والتنمية بعد عام 2002 والتي ألغيت بحينها حالة الطوارئ المقيدة للحريات الشخصية والتي فرضتها المؤسسة العسكرية بأذرعها المؤسساتية أو من خلال الأحزاب المؤازرة لها والسائرة في فلكها، فقد كان إلغاء حالة الطوارئ هي أهم خطوة ملموسة شهدتها تركيا للتحول الديمقراطي والتطور الاقتصادي .

وبحصول التغيرات الكبيرة  في الأوضاع العربية والسياسات الدولية بذلت تركيا جهدا كبيرا للتكيف مع تلك  المتغيرات الكبيرة وبالأخص  في المنطقة العربية والتي توضحت معاناتها من وجود وظهور فراغ فكري قيادي ،  ومن أجل منع ملئ تلك الفراغات الفكرية والأيدلوجية من قبل أفكار متطرفة أو من قبل جهات دولية أو اقليمية تؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة على الاوضاع العربية والشرق الاوسطية وتركيا معا، لذلك بدأت تركيا بالتوجه نحو المنطقة العربية التي تمكّنت من أن تسدّ فراغا كبيرا بوجودها في العالم العربي، وساعد على ذلك الكاريزما التي يتمتع بهاالرئيس التركي أردوغان  والتي أثّرت بشكل كبير على شريحة واسعة من الشباب العربي ، مما ساعد  بشكل مباشر على في خلق دور إيجابي كبير لتركيا من أجل تحقيق السلام والأمن في المنطقة.

إن تركيا ومن خلال حزب العدالة والتنمية وزعبمه أردوغان استطاع في جملة من الأحداث التي كان طرفا بها بالانتماء أو المؤازرة من عكس الصورة الايجابية لتركية في العالم العربي والاسلامي بصورة عامة ن فقد ساندت ووقفت بصورة واضحة وجليلة أهم قضايا العالم العربي وهي مسألة الأراضي العربية المحتلة ومسألة القدس بالاضافة إلى باقي القضايا المصيرية والتي عكست إخلاص الأتراك في مؤازرة قضاياهم .

مما يعني الرئيس أردوغان ومن خلال مسيرته التصالحية مع هويته الإسلامية أزال حاجزا منيعا وقويا كان سببا  للتباعد العربي التركي بالاضافة إلى ذلك فإن خلو القاموس التركي من أي أطماع في أراضي الدول العربية جعل المواطن العربي يتجه حقيقة باطمئنان إلى دور تركي مستقبلي في المنطقة.

وإن الرسالة التركية للعالم العربي على وجه الخصوص كان مفاده هو الإخلاص بالدرجة الأولى والشيء الثاني هو تغلغل الأتراك في التحالفات الدولية منذ خمسينات القرن الماضي والتي جعلتهم متهيأين للتعبير عن طموحات العالم العربي والاسلامي في المحافل الدولية .

وبتعبير أدق فإن الأتراك ومن خلال الرئيس أردوغان الذي استطاع من جعل تركيا المرآة العاكسة الحقيقية لكل قضايا العالم العربي والإسلامي، وبطبيعة الحال فإن هذه الدرجة من الثقة لم تكن تصلها أية دول اقليمية وعالمية ولاحتى من الدول العربية نفسها .

ولذا فإن  تركيا قامت بلعب دور فعال  ومؤثر في المنطقة العربية عموما  وبالذات  بمنطقة الشرق الأوسط، مع ما تملكه من القوة الناعمة والمستخدمة  بشكل رئيسي في رسم سياساتها الخارجية.

****

  منذ فشل الإنقلاب في تركيا كيف أصبحت تركبا؟ وكيف ترى إستراتيجية عملها؟

غدت القوات المسلحة التركية بوصفها مؤسسة قائمة بذاتها، واحدة من العوامل الأساسية في السياسة بالرغم من وجود دساتير تجييز التعددية الحزبية والديمقراطي وتؤمن حق الانتخاب والترشح الديمقراطي، منذ بدايات نشوء الدولة التركية، حيث أصبحت الانقلابات العسكرية والتي كانت تطل على السياسة التركية كل عشرة سنوات، والوصاية العسكرية أيضا من خلال مجلس الأمن القومي والأعضاء العسكريين في مجلس الإعلام والثقافة والتعليم العالي ـ عنصرين أساسين في تاثير الجيش في السياسة التركية .

كان انقلاب 15 تموز عام 2016 هو من أجل استلام الحكم باستعمال أدوات غير مشروعة بعد إخفاق كل الوسائل السابقة للإطاحة بالنظام الديمقراطي، حيث خرج أتباع فتح الله غولن من العسكرين خارج التسلسل القيادي العسكري ونفذوا انقلابا عسكريا تميز باستعمال الانقلابيين أساليب رهيبة دموية ضد المدنيين وضد أفراد القوات المسلحة المناوؤين لهم .

فشل الانقلاب كان استنادا إلى أربعة أمور حقيقية كان قد هيأتها القيادة التركية للدولة المدنية المؤازرة من قبل الشعب المؤمن بقيادته وهي

أولا : – المقاومة الشعبية  العفوية ضد الانقلاب، فقد أدرك أفراد الشعب بأن الانقلاب يعني الرجوع إلى عصر الهيمنة الديكتاتورية العسكرية وبما أن منفذي الانقلاب لم يكونوا في أعلى مراتب القيادة العسكرية مما دل على أن طغمة خارجة عن أوامر قادتها وتنفذ أجندة غريبة وخارجية هي التي تقود الانقلاب.

ثانيا :وجود قيادة سياسية قوية استطاعت احتواء الانقلاب والقضاء عليه مباشرة.

ثالثا : التدخل المباشر والناجع للوحدات الأمنية التابعة للقوات المسلحة متمثلة بصنف القوات الخاصة  والمخابرات التركية وعناصر الأمن .

رابعا :- القنوات الإعلامية التركية التي ساندت وواكبت الحدث تماما حيث كانت تنقل أخبار المقاومة في كل المدن التركية وبالأخص في العاصمتين أنقرة واسطنبول مما زاد من زخم المقاومة واحتلال الشعب للمراكز والساحات والجسور والبؤر الحيوية المؤثرة .

ومما زاد من تلاحم الإعلام مع الشعب واستنكاره للانقلاب بأن القنوات التلفزيونية امتنعت عن نقل البيان الانقلابي .

أظهر الانقلاب مدى أهمية تركيا بالنسبة للعالم العربي وخصوصا بعد تفاني الشعب التركي بالقضاء على المؤامرة في مهدها مع وجود دوائرمؤسساتية استطاعت التغلب على تلك المعظلة الحقيقية.

كل تلك العوامل جعلت من تركيا واحدة من أهم  الدول التي ينتظر منها أن تلعب الدور الفعال في الاستقرار الإقليمي وتساعد أيضا على استمرار الأوضاع الطبيعية في المنطقة.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى